كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ أَرْبَعًا، وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ خَلَتْ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ، فَكَانَتْ فَسْخًا كَسَائِرِ الْفُسُوخِ.
وَوَجْهُ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا بَذَلَتْ الْعِوَضَ لِلْفُرْقَةِ، وَالْفُرْقَةُ الَّتِي يَمْلِكُ الزَّوْجُ إيقَاعَهَا هِيَ الطَّلَاقُ دُونَ الْفَسْخِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِكِنَايَةِ الطَّلَاقِ، قَاصِدًا فِرَاقَهَا، فَكَانَ طَلَاقًا، كَغَيْرِ الْخُلْعِ. وَفَائِدَةُ الرِّوَايَتَيْنِ، أَنَّا إذَا قُلْنَا: هُوَ طَلْقَةٌ. فَخَالَعَهَا مَرَّةً، حُسِبَتْ طَلْقَةً. فَنَقَصَ، بِهَا عَدَدُ طَلَاقِهَا. وَإِنْ خَالَعَهَا ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا، فَلَا تَحُلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ. لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَعَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَالَعَهَا بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَنْوِهِ.
فَأَمَّا إنْ بَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ عَلَى فِرَاقِهَا، فَهُوَ طَلَاقٌ، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ، مِثْلُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، أَوْ لَفْظِ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ، وَنَحْوِهِمَا، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَهُوَ طَلَاقٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ نَوَى الطَّلَاقَ، فَكَانَتْ طَلَاقًا، كَمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، فَهُوَ الَّذِي فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ أَلْفَاظُ الْخُلْع]
(٥٧٥٦) فَصْلٌ: وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ؛ فَالصَّرِيحُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ؛ خَالَعْتُكَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ الْعُرْفُ. وَالْمُفَادَاةُ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَفَسَخْت نِكَاحَك؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ، فَإِذَا أَتَى بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَمَا عَدَا هَذِهِ مِثْلُ: بَارَأْتُك، وَأَبْرَأْتُك، وَأَبَنْتُك. فَهُوَ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْفُرْقَةِ، فَكَانَ لَهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، كَالطَّلَاقِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّ لَهُ فِي لَفْظِ الْفَسْخِ وَجْهَيْنِ، فَإِذَا طَلَبَتْ الْخُلْعَ، وَبَذَلَتْ الْعِوَضَ فَأَجَابَهَا بِصَرِيحِ الْخُلْعِ أَوْ كِنَايَتِهِ، صَحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ مِنْ سُؤَالِ الْخُلْعِ وَبَذْلِ الْعِوَضِ، صَارِفَةٌ إلَيْهِ، فَأَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلَالَةَ حَالٍ، فَأَتَى بِصَرِيحِ الْخُلْعِ، وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا: هُوَ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ. وَلَا يَقَعُ بِالْكِنَايَةِ إلَّا بِنِيَّةِ مِمَّنْ تَلَفَّظَ بِهِ مِنْهُمَا، كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَعَ صَرِيحِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ الْخُلْع بِمُجَرَّدِ بَذْلِ الْمَالِ]
(٥٧٥٧) فَصْلٌ: وَلَا يَحْصُلُ الْخُلْعُ بِمُجَرَّدِ بَذْلِ الْمَالِ وَقَبُولِهِ، مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الزَّوْجِ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَذَهَبَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ، إلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِقَبُولِ الزَّوْجِ لِلْعِوَضِ. وَأَفْتَى بِذَلِكَ ابْنُ شِهَابٍ بِعُكْبُرَا وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ هُرْمُزَ، وَاسْتَفْتَى عَلَيْهِ مَنْ كَانَ بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: الْمُخْلَعَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ، مُسْتَبْرِئَةٌ، وَمُفْتَدِيَةٌ، فَالْمُفْتَدِيَةُ هِيَ الَّتِي تَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute