للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، لَمْ يُقْضَ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ يَعْتَرِفُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ، وَلَا يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَيَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ، وَيَصِيرَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مُكَلَّفًا فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ مَعَهُ. فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: أَحْلِفُوا لِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَلَفْنَاهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي، لَمْ تُسَلَّمْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِهَا لِغَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، سَمِعَهَا. الْحَاكِمُ، وَقَضَى بِهَا، وَكَانَ الْغَائِبُ عَلَى خُصُومَتِهِ، مَتَى حَضَرَ، لَهُ أَنْ يَقْدَحَ فِي بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَأَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي.

وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، فَهَلْ يَقْضِي بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ أَوْ الْخَارِجِ؛ فَإِنْ قُلْنَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ. فَأَقَامَ الْغَائِبُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ، أَوْ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، فَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، يَقْضِي بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُقِرِّ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِهَا لِلْغَائِبِ، سَمِعَهَا الْحَاكِمُ، وَلَمْ يَقْضِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْغَائِبِ، وَالْغَائِبُ لَمْ يَدَّعِهَا هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ، وَإِنَّمَا سَمِعَهَا الْحَاكِمُ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ زَوَالُ التُّهْمَةِ عَنْ الْحَاضِرِ، وَسُقُوطُ الْيَمِينِ عَنْهُ، إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّك تَعْلَمُ أَنَّهَا لِي. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا، إذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَأَنَّ لِلْمُودِعِ الْمُخَاصَمَةَ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا غُصِبَتْ. وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ مَسْمُوعَةٌ، فَيُقْضَى بِهَا، كَبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي إذَا لَمْ تُعَارِضْهَا بَيِّنَةٌ أُخْرَى. فَإِنْ ادَّعَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، أَنَّهَا مَعَهُ بِإِجَارَةِ أَوْ عَارِيَّةٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، لَمْ يُقْضَ بِهَا؛ لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِ لِلْمُؤَجَّرِ، بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، فَلَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهَا.

وَالثَّانِي أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَيَخْرُجُ الْقَضَاءُ بِهَا عَلَى تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَكَوْنِ الْحَاضِرِ لَهُ فِيهَا حَقٌّ؛ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهَا، وَجْهًا وَاحِدًا. وَمَتَى عَادَ الْمُقِرُّ بِهَا لِغَيْرِهِ، فَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ الرُّجُوعُ عَنْ إقْرَارِهِ. وَالْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، كَالْحُكْمِ فِي الْغَائِبِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا

[فَصْلٌ طَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُ الْقَاضِي مَحْضَرًا بِمَا جَرَى]

(٨٥٣٤) فَصْلٌ: وَإِذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، لَزِمَتْهُ إجَابَتُهُ، فَيَكْتُبُ لَهُ: مَحْضَرًا حَضَرَ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ قَاضِيَ عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ، أَوْ خَلِيفَةُ الْقَاضِي فُلَانَ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ إنْ كَانَ نَائِبًا، فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ، وَأَحْضَرَ مَعَهُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ فَادَّعَى دَارًا فِي يَدَيْهِ - وَيُعَيِّنُهَا، وَيَذْكُرُ حُدُودَهَا وَصِفَتَهَا - فَاعْتَرَفَ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ، وَهُوَ حِينَئِذٍ غَائِبٌ عَنْ بَلَدِ الْقَاضِي، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً، وَهِيَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ وَفُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، فَشَهِدَا عِنْدَهُ لِلْمُدَّعِي بِمَا ادَّعَاهُ، وَعَرَفَ الْحَاكِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>