للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَإِنْ سَرَقَ كَلَأً أَوْ مِلْحًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا وَرَدَ الشَّرْعُ بِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْمَاءَ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: فِيهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَوَّلُ عَادَةً، فَأَشْبَهَ التِّبْنَ وَالشَّعِيرَ. وَأَمَّا الثَّلْجُ: فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ كَالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَامِدٌ، فَأَشْبَهَ الْجَلِيدَ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَوَّلُ عَادَةً، فَهُوَ كَالْمِلْحِ الْمُنْعَقِدِ مِنْ الْمَاءِ. وَأَمَّا التُّرَابُ: فَإِنْ كَانَ مِمَّا تَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِيهِ، كَاَلَّذِي يُعَدُّ لِلتَّطْيِينِ وَالْبِنَاءِ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ كَثِيرَةٌ، كَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ، الَّذِي يُعَدُّ لِلدَّوَاءِ، أَوْ الْمُعَدِّ لِلْغَسْلِ بِهِ، أَوْ الصَّبْغِ كَالْمَغْرَةِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يَتَمَوَّلُ، أَشْبَهَ الْمَاءَ.

وَالثَّانِي: فِيهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَوَّلُ عَادَةً، وَيُحْمَلُ إلَى الْبُلْدَانِ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْعُودَ الْهِنْدِيَّ. وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ السِّرْجِينِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَجِسًا فَلَا قِيمَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا، فَلَا يَتَمَوَّلُ عَادَةً، وَلَا تَكْثُرُ الرَّغَبَاتُ فِيهِ، فَأَشْبَهَ التُّرَابَ الَّذِي لِلْبِنَاءِ، وَمَا عُمِلَ مِنْ التُّرَابِ كَاللَّبِنِ وَالْفَخَّارِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَوَّلُ عَادَةً.

[فَصْلٌ الْأَمْوَالُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْقَطْعُ إذَا سُرِقَتْ]

(٧٢٥٥) فَصْلٌ: وَمَا عَدَا هَذَا مِنْ الْأَمْوَالِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ، سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا، أَوْ ثِيَابًا، أَوْ حَيَوَانًا، أَوْ أَحْجَارًا، أَوْ قَصَبًا، أَوْ صَيْدًا، أَوْ نُورَةً، أَوْ جِصًّا، أَوْ زِرْنِيخًا، أَوْ تَوَابِلَ، أَوْ فَخَّارًا، أَوْ زُجَاجًا، أَوْ غَيْرَهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الطَّعَامِ الرَّطْبِ الَّذِي يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، كَالْفَوَاكِهِ، وَالطَّبَائِخِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ هَذَا مُعَرِّضٌ لِلْهَلَاكِ، أَشْبَهَ مَا لَمْ يُحْرَزْ. وَلَا قَطْعَ فِيمَا كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَالصَّيُّودِ، وَالْخَشَبِ، إلَّا فِي السَّاجِ وَالْآبُنُوسِ، وَالصَّنْدَلِ، وَالْقَنَا، وَالْمَعْمُولِ مِنْ الْخَشَبِ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ. وَمَا عَدَا هَذَا لَا يُقْطَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَأَشْبَهَ التُّرَابَ. وَلَا قَطْعَ فِي الْقُرُونِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْمُولَةً؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَا تَكُونُ غَالِبَةً عَلَيْهَا، بَلْ الْقِيمَةُ لَهَا، بِخِلَافِ مَعْمُولِ الْخَشَبِ. وَلَا قَطْعَ عِنْدَهُ فِي التَّوَابِلِ، وَالنُّورَةِ، وَالْجِصِّ، وَالزِّرْنِيخِ، وَالْمِلْحِ وَالْحِجَارَةِ، وَاللَّبِنِ، وَالْفَخَّارِ، وَالزُّجَاجِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: مَا يَفْسُدُ فِي يَوْمِهِ، كَالثَّرِيدِ وَاللَّحْمِ، لَا قَطْعَ فِيهِ.

وَلَنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] . وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ سَرَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>