لِأَنَّ الْعُضْوَ مَتَى كَانَ فِيهِ بَعْضُ النَّفْعِ، لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُ أَشَلَّ، كَالْعَيْنِ إذَا كَانَ بَصَرُهَا ضَعِيفًا، وَالْيَدِ إذَا كَانَ بَطْشُهَا نَاقِصًا.
وَإِنْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ، فَذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَتِهِ، فَإِنْ قَطَعَ الْآخَرُ بَقِيَّتَهُ، فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالْآخَرُ، عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ إلَّا نِصْفَ لِسَانِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ ذَهَبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ، فَلَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَتِهِ، كَمَا لَوْ ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ بِقَطْعِ نِصْفِ اللِّسَانِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ، لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، فَلَأَنْ تَجِبَ بِقَطْعِ نِصْفِ اللِّسَانِ فِي الْأَوَّلِ أَوْلَى، وَلَوْ لَمْ يَقْطَعْ الثَّانِي نِصْفَ اللِّسَانِ، لَكِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً أَذْهَبَتْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ مَعَ بَقَاءِ لِسَانِهِ، لَكَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَا فِيهِ الدِّيَةُ، فَكَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى صَحِيحٍ، فَذَهَبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ كَلَامِهِ، مَعَ بَقَاءِ لِسَانِهِ.
[فَصْل قَطَعَ بَعْض لِسَانِهِ عَمْدًا]
(٦٩٢٨) فَصْلٌ: وَإِذَا قَطَعَ بَعْضَ لِسَانِهِ عَمْدًا، فَاقْتَصَّ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ مِثْلِ مَا جَنَى عَلَيْهِ بِهِ، فَذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْجَانِي مِثْلُ مَا ذَهَبَ مِنْ كَلَامِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَأَكْثَرُ، فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَلَا شَيْءَ فِي الزَّائِدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سِرَايَةِ الْقَوَدِ، وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. وَإِنْ ذَهَبَ أَقَلُّ، فَلِلْمُقْتَصِّ دِيَةُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ بَدَلَهُ.
[فَصْلٌ قَطَعَ لِسَان صَغِير لَمْ يَتَكَلَّم لِطُفُولِيَّتِهِ]
(٦٩٢٩) فَصْلٌ: وَإِذَا قَطَعَ لِسَانَ صَغِيرٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ لِطُفُولِيَّتِهِ، وَجَبَتْ دِيَتُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لِسَانٌ لَا كَلَامَ فِيهِ، فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ دِيَةٌ، كَلِسَانِ الْأَخْرَسِ. وَلَنَا، أَنَّ ظَاهِرَهُ السَّلَامَةُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْكَلَامَ فَوَجَبَتْ بِهِ الدِّيَةُ كَالْكَبِيرِ، وَيُخَالِفُ الْأَخْرَسَ؛ فَإِنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ أَشَلُّ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَعْضَاءَهُ لَا يَبْطِشُ بِهَا، وَتَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ. وَإِنْ بَلَغَ حَدًّا يَتَكَلَّمُ مِثْلُهُ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَطَعَ لِسَانَهُ، لَمْ تَجِبْ فِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ، وَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ. وَإِنْ كَبِرَ فَنَطَقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ، وَجَبَ فِيهِ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ نَاطِقًا.
وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ إلَى حَدٍّ يَتَحَرَّك بِالْبُكَاءِ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَتَحَرَّكْ، فَقَطَعَهُ قَاطِعٌ، فَلَا دِيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَتَحَرَّكَ. وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ إلَى حَدٍّ يَتَحَرَّكُ، فَفِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سَلَامَتُهُ. وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَ كَبِيرٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَخْرَسَ، فَفِيهِ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي شَلَلِ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute