للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْحِرْزِ وَيَدُهُ عَلَى السَّرِقَةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ وَلَنَا أَنَّ الْمَسْرُوقَ خَرَجَ مِنْ الْحِرْزِ وَيَدُهُ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ خَرَجَ بِهِ، وَيُخَالِفُ إذَا أَتْلَفَهُ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْحِرْزِ.

[مَسْأَلَةٌ هَلْ تُشْتَرَطُ الْمُطَالَبَةُ مِنْ مَالِكِ الْمَسْرُوقِ حَتَّى يُقَامَ حَدُّ الْقَطْعِ]

(٧٣١٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُقْطَعُ وَإِنْ اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ، حَتَّى يَأْتِيَ مَالِكُ الْمَسْرُوقِ يَدَّعِيهِ) وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُقْطَعُ، وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى دَعْوَى وَلَا مُطَالَبَةٍ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْقَطْعِ ثَبَتَ، فَوَجَبَ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ، كَحَدِّ الزِّنَا. وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ يُبَاحُ بِالْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكَهُ أَبَاحَهُ إيَّاهُ، أَوْ وَقَفَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى طَائِفَةٍ السَّارِقُ مِنْهُمْ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ حِرْزِهِ، فَاعْتُبِرَتْ الْمُطَالَبَةُ لِتَزُولَ هَذِهِ الشُّبْهَةُ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الزِّنَا، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ؛ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ أَوْسَعُ فِي الْإِسْقَاطِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا سَرَقَ مَالَ أَبِيهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ زَنَى بِجَارِيَتِهِ حُدَّ؟ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ شُرِعَ لِصِيَانَةِ مَالِ الْآدَمِيِّ، فَلَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ، فَلَمْ يُسْتَوْفَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ مُطَالِبٍ بِهِ، وَالزِّنَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مَحْضٌ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى طَلَبٍ بِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ وَكِيلَ الْمَالِكِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الطَّلَبِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ غَائِبٍ، حُبِسَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَبَاحَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِحَقٍّ مُطْلَقٍ لِغَائِبٍ لَمْ يُحْبَسْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ لِغَيْرِ الْغَائِبِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِحَبْسِهِ، فَلَمْ يُحْبَسْ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ، فَحُبِسَ؛ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ، أَخَذَهَا الْحَاكِمُ، وَحَفِظَهَا لِلْغَائِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، فَإِذَا جَاءَ الْغَائِبُ كَانَ الْخَصْمَ فِيهَا.

[فَصْلٌ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مِنْ رَجُلٍ فَقَالَ الْمَالِكُ: لَمْ تَسْرِقْ مِنِّي وَلَكِنْ غَصَبْتنِي]

(٧٣١٩) فَصْلٌ: وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مِنْ رَجُلٍ، فَقَالَ الْمَالِكُ: لَمْ تَسْرِقْ مِنِّي، وَلَكِنْ غَصَبْتنِي. أَوْ كَانَ لِي قِبَلَك وَدِيعَةٌ فَجَحَدْتنِي. لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَمْ يُوَافِقْ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ رَجُلَيْنِ، فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ قَالَ الْآخَرُ: بَلْ غَصَبْتنِيهِ أَوْ جَحَدْتنِيهِ، لَمْ يُقْطَعْ. وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إذَا قَالَ الْآخَرُ: غَصَبْتنِيهِ أَوْ جَحَدْتنِيهِ. قُطِعَ. وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ عَلَى سَرِقَةِ نِصَابٍ، فَلَمْ يُقْطَعْ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ وَافَقَاهُ جَمِيعًا، قُطِعَ. وَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا، فَطَالَبَ، وَلَمْ يَحْضُرْ الْآخَرُ، لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِمُفْرَدِهِ.

وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدْ فَقَدْتُهُ مِنْ مَالِي. فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَعْلَبَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>