وُجُودُهُ، وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ بِهِ، وَلَا يُزَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا وُجِدَ، وَلِأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ لِامْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّهُ غَايَةُ الْحَمْلِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَمَا دُونَ، مِنْ يَوْمِ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَلَمْ تَكُنْ تَزَوَّجَتْ، وَلَا وُطِئَتْ، وَلَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْقُرُوءِ، وَلَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِالزَّوْجِ، وَعِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةٌ بِهِ.
[فَصْلٌ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ مَاتَ أَوْ بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاقِ أَوْ فَسْخٍ]
(٦٣٣٨) فَصْلٌ: وَإِنْ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ مَاتَ، أَوْ بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً لَمْ يَلْحَقْهُ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ، وَالْبَيْنُونَةِ مِنْهُ، وَكَوْنِهَا قَدْ صَارَتْ مِنْهُ أَجْنَبِيَّةً، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْأَجْنَبِيَّاتِ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ، فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهُ بِوَضْعِهِ، كَمَا لَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نَكَحَهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَلْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ وَلَدٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بَعْدَ نِكَاحِهِ، بِأَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ، أَوْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا، فَوَجَبَ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ، كَالْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الَّذِي أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ يَقِينًا.
ثُمَّ نَاقَضُوا قَوْلَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، وَلِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ، فَالْوَلَدُ مُنْتَفٍ عَنْهُمَا، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَهَذَا أَصَحُّ؛ فَإِنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ مِنْهُ، لَمْ يَكْفِ فِي إثْبَاتِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ، فَلَأَنْ لَا يَكْفِيَ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَمَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقِضٌ بِمَا سَلَّمُوهُ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الَّذِي أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَصَابَهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِنِكَاحٍ غَيْرِ هَذَا النِّكَاحِ الَّذِي أَتَتْ بِالْوَلَدِ فِيهِ، فَاسْتَوَيَا. وَأَمَّا الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ فَإِنَّا نَفَيْنَا الْوَلَدَ عَنْ الزَّوْجِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَنَفَيْنَا حُكْمَهُ فِي كَوْنِهِ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا، حَتَّى أَوْجَبْنَا الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا وَقَاذِفِ وَلَدِهَا، وَانْقِضَاءُ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا دُونَهُ، فَثَبَتَتْ.
[فَصْل أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ بَعْدِ انْقِضَائِهَا]
(٦٣٣٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْقُرُوءِ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ بَعْدِ انْقِضَائِهَا، لَمْ يَلْحَقْ نَسَبُهُ بِالزَّوْجِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَلْحَقُ بِهِ، مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، أَوْ يَبْلُغْ أَرْبَعَ سِنِينَ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ قَوْلَهُ: إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ طَلَاقِهِ أَوْ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ لَحِقَهُ الْوَلَدُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَلَدٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، وَلَا مَنْ يُسَاوِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ، كَمَا لَوْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute