بَاطِلٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ بِهِ مِلْكٌ. وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَكَاتَبَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، لَمْ تَصِحَّ كِتَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إزَالَةُ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَالْكِتَابَةُ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ كِتَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ تَصَرُّفِ سَيِّدِهِ فِيهِ، فَإِنْ عَجَزَ، عَادَ رَقِيقًا قِنًّا، وَأُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ حِينَئِذٍ.
[فَصْلٌ كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ]
(٨٦٩٥) فَصْلٌ: وَإِنْ كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ، صَحَّتْ كِتَابَتُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكَهُ عَلَيْهِ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: ٢٧] . وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ إلَيْهِمْ تَقْتَضِي صِحَّةَ أَمْلَاكِهِمْ، فَتَقْتَضِي صِحَّةَ تَصَرُّفَاتِهِمْ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ، ثُمَّ دَخَلَا مُسْتَأْمِنَيْنِ إلَيْنَا، لَمْ يَتَعَرَّضْ الْحَاكِمُ لَهُمَا، وَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْهِ، نَظَرَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُمَا صَحِيحَةً، أَلْزَمَهُمَا حُكْمَهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً، بَيَّنَ لَهُمَا فَسَادَهَا. وَإِنْ جَاءَا، وَقَدْ قَهَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنْ قَهَرَ سَيِّدَهُ مَلَكَهُ، فَبَطَلَتْ كِتَابَتُهُ؛ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ قَهَرَهُ السَّيِّدُ عَلَى إبْطَالِ الْكِتَابَةِ، وَرَدَّهُ رَقِيقًا، بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ دَارَ الْكُفْرِ دَارُ قَهْرٍ وَإِبَاحَةٍ، وَلِهَذَا لَوْ قَهَرَ حُرٌّ حُرًّا عَلَى نَفْسِهِ مَلَكَهُ. وَإِنْ دَخَلَا مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ، فَقَهَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ، وَكَانَا عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارُ حَظْرٍ، لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْقَهْرُ إلَّا بِالْحَقِّ.
وَإِنْ دَخَلَا مُسْتَأْمِنَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَا الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يُمْنَعَا. وَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ الرُّجُوعَ، وَأَخَذَ الْمُكَاتَبِ مَعَهُ، فَأَبَى الْمُكَاتَبُ الرُّجُوعَ مَعَهُ، لَمْ يُجْبَرْ؛ لِأَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ زَالَ مِلْكُهُ وَسُلْطَانُهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ حَقٌّ، وَمَنْ لَهُ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ حَقٌّ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ لِأَجْلِهِ، وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ: إنْ أَرَدْت الْإِقَامَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِتَسْتَوْفِيَ مَالَ الْكِتَابَةِ، فَاعْقِدْ الذِّمَّةَ وَأَقِمْ، إنْ كَانَتْ مُدَّتُهَا طَوِيلَةً، وَإِنْ أَرَدْت تَوْكِيلَ مَنْ يَقْبِضُ لَك نُجُومَ الْكِتَابَةِ، فَافْعَلْ. فَإِذَا أَدَّى نُجُومَ الْكِتَابَةِ، عَتَقَ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ الذِّمَّةَ، وَإِنْ أَحَبَّ الرُّجُوعَ، لَمْ يُمْنَعْ.
وَإِنْ عَجَزَ، وَفَسَخَ السَّيِّدُ كِتَابَتَهُ، عَادَ رَقِيقًا، وَيُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ، وَالْأَمَانُ لَهُ بَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَسَيِّدُهُ عَقَدَ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَإِذَا انْتَقَضَ الْأَمَانُ فِي نَفْسِهِ، بِعَوْدِهِ، لَمْ يَنْتَقِضْ فِي مَالِهِ.
وَإِنْ كَاتَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَهَرَبَ، وَدَخَلَ إلَيْنَا، بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ؛ فَإِنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْهُ بِقَهْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَهَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ مَالِهِ. وَسَوَاءٌ جَاءَنَا مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ. وَإِنْ جَاءَنَا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَالْكِتَابَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute