وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَيَّامُ النَّحْرِ يَوْمُ الضُّحَى، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: يَوْمٌ وَاحِدٌ. وَعَنْ سَعِيدَ بْنِ جُبَيْرٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: فِي الْأَمْصَارِ يَوْمٌ وَاحِدٌ، وَبِمِنًى ثَلَاثَةٌ.
وَلَنَا «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْأَكْلِ مِنْ النُّسُكِ فَوْقَ ثَلَاثٍ» ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ مَشْرُوعًا فِي وَقْتٍ يَحْرُمُ فِيهِ الْأَكْلُ، ثُمَّ نُسِخَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ، وَبَقِيَ وَقْتُ الذَّبْحِ بِحَالِهِ. وَلِأَنَّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ لَا يَجِبُ فِيهِ الرَّمْيُ، فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ الذَّبْحُ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ، فَأَمَّا اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا ذَبْحُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: ٢٨] . فَذَكَرَ الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِي. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ لَيْلَتَيْ يَوْمَيْ التَّشْرِيقِ الْأُولَتَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ هَاتَيْنِ اللَّيْلَتَيْنِ دَاخِلَتَانِ فِي مُدَّةِ الذَّبْحِ، فَجَازَ الذَّبْحُ فِيهِمَا كَالْأَيَّامِ.
[فَصْل إذَا نَحَرَ الْهَدْيَ فَرَّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ]
(٢٥٤٣) فَصْلٌ: وَإِذَا نَحَرَ الْهَدْيَ، فَرَّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، وَهُوَ مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ. فَإِنْ أَطْلَقَهَا لَهُمْ جَازَ، كَمَا رَوَى أَنَسٌ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَإِنْ قَسَمَهَا فَهُوَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، وَلَا يُعْطِي الْجَازِرَ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أُقَسِّمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا، جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» مُتَّفَقٌ عَلَى مَعْنَاهُ. وَلِأَنَّهُ بِقَسْمِهَا يَكُونُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إيصَالِهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا، وَيَكْفِي الْمَسَاكِينَ مُؤْنَةَ النَّهْبِ وَالزِّحَامِ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطِ الْجَازِرَ بِأُجْرَتِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ ذَبْحَهَا، فَعَوَّضَهُ عَلَيْهِ دُونَ الْمَسَاكِينِ، وَلِأَنَّ دَفْعَ جُزْءٍ مِنْهَا عِوَضًا عَنْ الْجِزَارَةِ كَبَيْعِهِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْجَازِرُ فَقِيرًا، فَأَعْطَاهُ لِفَقْرِهِ سِوَى مَا يُعْطِيهِ أَجْرَهُ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْأَخْذِ مِنْهَا لِفَقْرِهِ، لَا لِأَجْرِهِ، فَجَازَ كَغَيْرِهِ، وَيُقَسِّمُ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ سَاقَهَا لِلَّهِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ؛ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِمَّا جَعَلَهُ، لِلَّهِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَلْزَمُهُ إعْطَاءُ جِلَالِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَهْدَى الْحَيَوَانَ دُونَ مَا عَلَيْهِ (٢٥٤٤) فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ النَّحْرُ بِمِنًى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ بِهَا، وَحَيْثُ نَحَرَ مِنْ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ وَطَرِيقٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute