للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ: إذَا مَنَعُوا الزَّكَاةَ كَمَا مَنَعُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَاتَلُوا عَلَيْهَا، لَمْ يُوَرَّثُوا، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا تَارِكُ الزَّكَاةِ بِمُسْلِمٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ، مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَاتَلَهُمْ، وَعَضَّتْهُمْ الْحَرْبُ، قَالُوا: نُؤَدِّيهَا. قَالَ: لَا أَقْبَلُهَا حَتَّى تَشْهَدُوا أَنَّ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ. وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَدَلَّ عَلَى كُفْرِهِمْ.

وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ امْتَنَعُوا مِنْ الْقِتَالِ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ، وَلَوْ اعْتَقَدُوا كُفْرَهُمْ لَمَا تَوَقَّفُوا عَنْهُ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى الْقِتَالِ، وَبَقِيَ الْكُفْرُ عَلَى أَصْلِ النَّفْيِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ، فَلَمْ يَكْفُرْ تَارِكُهُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ؛ كَالْحَجِّ، وَإِذَا لَمْ يَكْفُرْ بِتَرْكِهِ، لَمْ يَكْفُرْ بِالْقِتَالِ عَلَيْهِ كَأَهْلِ الْبَغْيِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ هَذَا الْقَوْلَ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ جَحَدُوا وُجُوبَهَا، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا كُنَّا نُؤَدِّي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ سَكَنٌ لَنَا، وَلَيْسَ صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ سَكَنًا لَنَا، فَلَا نُؤَدِّي إلَيْهِ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ جَحَدُوا وُجُوبَ الْأَدَاءِ إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ هَذَا الْقَوْلَ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُرْتَدِّينَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ جَحَدُوا وُجُوبَ الزَّكَاةِ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوا كَبَائِرَ، وَمَاتُوا مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، فَحُكِمَ لَهُمْ بِالنَّارِ ظَاهِرًا، كَمَا حُكِمَ لِقَتْلَى الْمُجَاهِدِينَ بِالْجَنَّةِ ظَاهِرًا، وَالْأَمْرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمْ بِالتَّخْلِيدِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِالنَّارِ الْحُكْمُ بِالتَّخْلِيدِ، بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ قَوْمًا مِنْ أُمَّتِهِ يَدْخُلُونَ النَّارَ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ.

[مَسْأَلَةُ نِصَابُ الْإِبِلِ]

(١٦٩٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٍ صَدَقَةٌ) . بَدَأَ الْخِرَقِيِّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بِذِكْرِ صَدَقَةِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ النَّعَمِ قِيمَةً وَأَجْسَامًا، وَأَكْثَرُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ، فَالِاهْتِمَامُ بِهَا أَوْلَى، وَوُجُوبُ زَكَاتِهَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ، وَصَحَّتْ فِيهِ السُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَمِنْ أَحْسَنِ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ "، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٌ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ، لَمَّا وَجَّهَ إلَى الْبَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى وَجْهِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلْيُعْطِهَا، وَمِنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ: " فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>