للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْضِعٍ زَالَ الْفِرَاشُ، وَانْقَطَعَ نَسَبُ الْوَلَدِ عَنْ صَاحِبِهِ، فَلَا يَثْبُتُ مَعَ بَقَاءِ الْفِرَاشِ الْمُقْتَضِي لُحُوقَ نَسَبِ الْوَلَدِ بِصَاحِبِهِ.

وَإِنْ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ امْرَأَتِهِ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، لَمْ يُبَحْ لَهُ نَفْيُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نُصِيبُ مِنْ النِّسَاءِ، وَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ، أَفَنَعْزِلُ عَنْهُنَّ؟ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ إذَا قَضَى خَلْقَ نَسَمَةٍ خَلَقَهَا» . وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يُحِسُّ بِهِ فَتَعْلَقُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا إلَّا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ فِي الدُّبُرِ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ الْمَاءُ إلَى الْفَرْجِ فَيَعْلَقَ بِهِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا دُونَهُ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَدَلَالَةُ عَدَمِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ عَلَى انْتِفَاءِ الْوَلَدِ أَشَدُّ مِنْ دَلَالَةِ مُخَالَفَةِ الْوَلَدِ لَوْنَ وَالِدَيْهِ.

فَأَمَّا إنْ وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا مَعَ الزِّنَا، وَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ الزَّانِي، مِثْلُ إنْ زَنَتْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، أَوْ زَنَتْ فَلَمْ يَعْتَزِلْهَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا، أَوْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا إلَّا دُونَ الْفَرْجِ، لَوْ كَانَ الْوَلَدُ شَبِيهًا بِالزَّانِي دُونَهُ، لَزِمَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعَ الزِّنَا يُوجِبُ نِسْبَتَهُ إلَى الزَّانِي، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِوَلَدِ امْرَأَةِ هِلَالٍ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، بِشَبَهِهِ لَهُ، مَعَ لِعَانِ هِلَالٍ لَهَا، وَقَذْفِهِ إيَّاهَا. وَأَمَّا إذَا أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ، فَشَكَّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَتِهِ لِزِنَاهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَذْفُهَا، وَلَا لِعَانُهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْفَزَارِيِّ. وَكَذَلِكَ إنْ عَرَفَ زِنَاهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي، وَلَا وُجِدَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ.

[فَصْلٌ أُكْرِهَتْ زَوْجَتُهُ عَلَى الزِّنَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ]

(٦٢٧٢) فَصْلٌ: فَإِنْ أُكْرِهَتْ زَوْجَتُهُ عَلَى الزِّنَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَاطِئِ، فَهُوَ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ قَذْفُهَا بِالزِّنَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِزِنًا مِنْهَا. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ، وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّعَانِ، وَمِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ الْقَذْفُ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ مِنْ الْمَرْأَةِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُكَذِّبُ الزَّوْجَ فِي إكْرَاهِهَا عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>