أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الثِّقَةِ. وَلَا بِمُخَالَفَةِ الْوَلَدِ لَوْنَ وَالِدَيْهِ أَوْ شَبَهِهِمَا، وَلَا لِشَبَهِهِ بِغَيْرِ وَالِدَيْهِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي جَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ. يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا؟ . قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ . قَالَ: إنَّ فِيهَا أَوْرَقَ. قَالَ: فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: فَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» . قَالَ: " وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَأَلْوَانُهُمْ وَخَلْقُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، فَلَوْلَا مُخَالَفَتُهُمْ شَبَهَ وَالِدَيْهِمْ، لَكَانُوا عَلَى خِلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الشَّبَهِ ضَعِيفَةٌ، وَدَلَالَةَ وِلَادَتِهِ عَلَى الْفِرَاشِ قَوِيَّةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقَوِيِّ لِمُعَارَضَةِ الضَّعِيفِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا تَنَازَعَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْفِرَاشِ، وَتَرَكَ الشَّبَهَ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ، جَوَازُ نَفْيِهِ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ: «إنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ. فَأَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا الْأَيْمَانُ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» . فَجَعَلَ الشَّبَهَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ، مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ لِعَانِهِ وَنَفْيِهِ إيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَجَعَلَ الشَّبَهَ مُرَجِّحًا لِقَوْلِهِ، وَدَلِيلًا عَلَى تَصْدِيقِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اسْتِقْلَالِ الشَّبَهِ بِالنَّفْيِ، وَلِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute