مَجْرَى الْيَقِينِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي، فَإِذَا لَمْ يَنْفِهِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ، وَوَرِثَهُ، وَوَرِثَ أَقَارِبَهُ، وَوَرِثُوا مِنْهُ، وَنَظَرَ إلَى بَنَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ، فَيَجِبُ نَفْيُهُ لِإِزَالَةِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا، وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ رَآهَا.
الثَّانِي - أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي، أَوْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ زِنَاهَا، وَلَيْسَ ثَمَّ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، أَوْ ثَمَّ وَلَدٌ لَكِنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا، أَوْ يُخْبِرَهُ بِزِنَاهَا ثِقَةٌ يُصَدِّقُهُ، أَوْ يَشِيعَ فِي النَّاسِ أَنَّ فُلَانًا يَفْجُرُ بِفُلَانَةَ، وَيُشَاهِدُهُ عِنْدَهَا، أَوْ دَاخِلًا إلَيْهَا أَوْ خَارِجًا مِنْ عِنْدِهَا، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ فُجُورُهَا، فَهَذَا لَهُ قَذْفُهَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ. فَذَكَرَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ أَوْ يَسْكُتُ، وَلَمْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَى هِلَالٍ وَالْعَجْلَانِيِّ قَذْفَهُمَا حِينَ رَأَيَا.
وَإِنْ سَكَتَ جَازَ، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ فِرَاقُهَا بِطَلَاقِهَا، وَيَكُونُ فِيهِ سَتْرُهَا وَسَتْرُ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ ثَمَّ وَلَدٌ يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِهِ. الْحَالُ الثَّالِثُ، مُحَرَّمٌ، وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ، مِنْ قَذْفِ أَزْوَاجِهِ وَالْأَجَانِبِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ٢٣] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَوْلُهُ: " وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ ". يَعْنِي يَرَاهُ مِنْهُ، فَكَمَا حَرَّمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، حَرَّمَ عَلَى الرَّجُلِ جَحْدَ وَلَدِهِ. وَلَا يَجُوزُ قَذْفُهَا بِخَبَرِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهَا، وَلَا بِرُؤْيَتِهِ رَجُلًا خَارِجًا مِنْ عِنْدِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَفِيضَ زِنَاهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ سَارِقًا، أَوْ هَارِبًا، أَوْ لِحَاجَةٍ، أَوْ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ، وَلَا لِاسْتِفَاضَةِ ذَلِكَ فِي النَّاسِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمْ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَعْدَاؤُهَا أَشَاعُوا ذَلِكَ عَنْهَا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخِرُ، أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute