للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، أَنْ لَا يُقْتَلَ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا كَانَ فِي الْحَدِّ لَعَلَّ وَعَسَى، فَهُوَ مُعَطَّلٌ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْك الْحَدُّ، فَادْرَأْ مَا اسْتَطَعْت. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ هَاهُنَا.

[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِعَمَلِ شَيْءٍ فَزَنَى بِهَا أَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا]

(٧٢٠٢) فَصْلٌ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِعَمَلِ شَيْءٍ، فَزَنَى بِهَا، أَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا، وَفَعَلَ ذَلِكَ، أَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا، فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ. وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لِمَنْفَعَتِهَا شُبْهَةٌ دَارِئَةٌ، وَلَا يُحَدُّ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ هُوَ مَالِكٌ لَهَا. وَلَنَا عُمُومُ الْآيَةِ، وَالْأَخْبَارِ، وَوُجُودُ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الْحَدِّ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ مِلْكَهُ مَنْفَعَتَهَا شُبْهَةٌ. لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ بِبَذْلِهَا نَفْسَهَا لَهُ، وَمُطَاوَعَتِهَا إيَّاهُ، فَلَأَنْ لَا يَسْقُطَ بِمِلْكِهِ نَفْعُ مَحَلٍّ آخَرَ أَوْلَى، وَمَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ بِوَطْءِ مَمْلُوكَتِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ، فَتَغَيُّرُ حَالِهَا لَا يُسْقِطُهُ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ.

[فَصْلٌ وَطِئَ امْرَأَةً لَهُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ]

(٧٢٠٣) فَصْلٌ: وَإِذَا وَطِئَ امْرَأَةً لَهُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ عَلَيْهَا، فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ، كَالدَّيْنِ.

[مَسْأَلَةٌ رُجِمَ بِإِقْرَارٍ فَرَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَلَوْ رُجِمَ بِإِقْرَارٍ، فَرَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ، كُفَّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ جُلِدَ، وَقَبْلَ كَمَالِ الْحَدِّ خُلِّيَ) قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَذَكَرْنَا أَنَّ الْمُقِرَّ بِالْحَدِّ مَتَى رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ تُرِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ، مِثْلِ الْهَرَبِ، لَمْ يُطْلَبْ؛ «لِأَنَّ مَاعِزًا لَمَّا هَرَبَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ؟» .

وَلِأَنَّ مَنْ قُبِلَ رُجُوعُهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ، قُبِلَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، كَالْبَيِّنَةِ.

[فَصْلٌ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ الَّذِي يَثْبُتُ عِنْدَهُ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ]

(٧٢٠٥) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ، أَوْ الْحَاكِمِ، الَّذِي يَثْبُتُ عِنْدَهُ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ، التَّعْرِيضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ إذَا تَمَّ، وَالْوُقُوفُ عَنْ إتْمَامِهِ إذَا لَمْ يُتِمَّ، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ مَاعِزٍ، حِينَ أَقَرَّ عِنْدَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى تَمَّمَ إقْرَارَهُ أَرْبَعًا، ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّك قَبَّلْت، لَعَلَّك لَمَسْت» .

وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ: «مَا إخَالُك فَعَلْت» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَصِيفَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ أُتِيَ بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ سَرَقَتْ، فَقَالَ لَهَا: أَسَرَقْت؟ قُولِي: لَا. فَقَالَتْ: لَا. فَخَلَّى سَبِيلَهَا. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْرِضَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ لَهُ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِأَنْ لَا يُقِرَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>