وَالصُّوفِ، وَالْإِبْرَيْسَمِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الثِّيَابِ وَالْأَكْسِيَةِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ، وَالْكِسَاءِ بِالْكِسَاءَيْنِ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ: لَا يُبَاعُ الْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ، وَلَا السِّكِّينُ بِالسِّكِّينَيْنِ، وَلَا إبْرَةٌ بِإِبْرَتَيْنِ، أَصْلُهُ الْوَزْنُ. وَنَقَلَ الْقَاضِي حُكْمَ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، فَجَعَلَ فِيهِمَا جَمِيعًا رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَجْرِي فِي الْجَمِيعِ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْزُونِ وَلَا مَكِيلٍ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. إذْ لَا مَعْنَى لِثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وَعَدَمِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ فِيهِ. وَالثَّانِيَةُ، يَجْرِي الرِّبَا فِي الْجَمِيعِ. اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْوَزْنُ، فَلَا يَخْرُجُ بِالصِّنَاعَةِ عَنْهُ كَالْخُبْزِ، وَذَكَرَ أَنَّ اخْتِيَارَ الْقَاضِي؛ أَنَّ مَا كَانَ يُقْصَدُ وَزْنُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ كَالْأَسْطَالِ فَفِيهِ الرِّبَا، وَمَالًا فَلَا.
(٢٨٠٠) فَصْلٌ: وَيَجْرِي الرِّبَا فِي لَحْمِ الطَّيْرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَجْرِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ بِغَيْرِ وَزْنٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَحْمٌ فَجَرَى فِيهِ الرِّبَا، كَسَائِرِ اللُّحْمَانِ. وَقَوْلُهُ: لَا يُوزَنُ. قُلْنَا: هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُوزَنُ، وَيُقْصَدُ ثِقَلُهُ، وَتَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِثِقَلِهِ وَخِفَّتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا يُبَاعُ مِنْ الْخُبْزِ بِالْعَدَدِ.
[فَصْلٌ جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ]
(٢٨٠١) فَصْلٌ: وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ، وَالتِّبْرُ وَالْمَضْرُوبُ، وَالصَّحِيحُ وَالْمَكْسُورُ، سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ، وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ؛ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ بَيْعِ الْمَضْرُوبِ بِقِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَنْكَرَ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ، وَنَفَوْهُ عَنْهُ. وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً، لَا يَجُوزُ بَيْعُ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ. وَلِأَنَّ لِلصِّنَاعَةِ قِيمَةً؛ بِدَلِيلِ حَالَةِ الْإِتْلَافِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ ضَمَّ قِيمَةَ الصِّنَاعَةِ إلَى الذَّهَبِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» . وَعَنْ عُبَادَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَمَرَ بِبَيْعِ آنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ فِي أَعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ فَقَالَ: «إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» .
وَرَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute