وَلَنَا مَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ فَأَدَّى إلَيْهِ تِسْعَمِائَةِ دِينَارٍ وَعَجَّزَهُ عَنْ مِائَةِ دِينَارٍ فَرَدَّهُ إلَى الرِّقِّ. وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا فَأَدَّى عَشَرَةَ آلَافٍ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إنِّي قَدْ طُفْتُ الْعِرَاقَ وَالْحِجَازَ فَرُدَّنِي فِي الرِّقِّ، فَرَدَّهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا فَقَالَ لَهُ: أَنَا عَاجِزٌ. فَقَالَ لَهُ: اُمْحُ كِتَابَتَكَ. فَقَالَ: اُمْحُ أَنْتَ.
وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فَقَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ كَاتَبَ غُلَامَهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَعَجَزَ عَنْ عَشْرِ أَوَاقٍ فَهُوَ رَقِيقٌ.» وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَجَزَ عَنْ عِوَضِهِ فَمَلَكَ مُسْتَحِقُّهُ فَسْخَهُ كَالسَّلَمِ إذَا تَعَذَّرَ الْمُسْلِمُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْحَاكِمِ كَفَسْخِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ كَانَتْ الْكِتَابَةُ لَازِمَةً مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ، غَيْرَ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ؟ قُلْنَا: هِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الطَّرَفَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ فَسْخَهَا بِحَالٍ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَيَمْتَنِعَ مِنْ الْكَسْبِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ - أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَضَمَّنُ إعْتَاقًا بِصِفَةٍ، وَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِصِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ إبْطَالَهَا وَيَلْزَمُ وُقُوعُ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ، وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ الْإِتْيَانُ بِالصِّفَةِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا.
الثَّانِي: أَنَّ الْكِتَابَةَ لِحَظِّ الْعَبْدِ دُونَ سَيِّدِهِ فَكَانَ الْعَقْدُ لَازِمًا لِمَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ حَظَّ غَيْرِهِ، وَصَاحِبُ الْحَظِّ بِالْخِيَارِ فِيهِ كَمَنْ ضَمِنَ لِغَيْرِهِ شَيْئًا، أَوْ كَفَلَ لَهُ، أَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ رَهْنًا.
[فَصْلٌ الْمُكَاتَبُ إنْ حَلَّ نَجْمٌ فَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ.]
(٨٧٦٩) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ حَلَّ نَجْمٌ وَاحِدٌ فَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ حَتَّى يَحِلَّ نَجْمَانِ قَبْلَ أَدَائِهِمَا. وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ رَقِيقًا حَتَّى يَقُولَ: قَدْ عَجَزْتُ. وَقِيلَ عَنْهُ: إذَا أَدَّى أَكْثَرَ مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يُرَدَّ إلَى الرِّقِّ وَأُتْبِعَ بِمَا بَقِيَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ وَاحِدٍ فَلِسَيِّدِهِ فَسْخُ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ دَخَلَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، وَيَدْفَعَ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute