للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لِذَلِكَ، فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ. كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ، وَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ، الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ فِي الْحَالِ؛ لِمَالِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَّخِذْ الصَّغِيرَ، مَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ، إذَا لَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا إلَّا بِالتَّعْلِيمِ، وَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ إلَّا بِتَرْبِيَتِهِ، وَاقْتِنَائِهِ مُدَّةً يُعَلِّمُهُ فِيهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: ٤] . وَلَا يُوجَدُ كَلْبٌ مُعَلَّمٌ بِغَيْرِ تَعْلِيمٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثَةِ.

[فَصْلٌ اقْتَنَى كَلْبًا لِلصَّيْدِ ثُمَّ تَرَكَ الصَّيْد مُدَّة وَهُوَ يُرِيد الْعُود إلَيْهِ]

(٣١٦٠) فَصْلٌ: وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لِلصَّيْدِ، ثُمَّ تَرَكَ الصَّيْدَ مُدَّةً، وَهُوَ يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَيْهِ، لَمْ يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ فِي مُدَّةِ تَرْكِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَصَدَ صَاحِبُ الزَّرْعِ زَرْعَهُ، أُبِيحَ لَهُ إمْسَاكُ الْكَلْبِ، إلَى أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا آخَرَ. وَلَوْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ، فَأَرَادَ شِرَاءَ غَيْرِهَا، فَلَهُ إمْسَاكُ كَلْبِهَا؛ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِي الَّتِي يَشْتَرِيهَا. فَأَمَّا إنْ اقْتَنَى كَلْبَ الصَّيْدِ مَنْ لَا يَصِيدُ بِهِ، احْتَمَلَ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَثْنَى كَلْبَ الصَّيْدِ مُطْلَقًا. وَاحْتَمَلَ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ اقْتَنَاهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْكِلَابِ. وَمَعْنَى كَلْبِ الصَّيْدِ، أَيُّ كَلْبٍ يَصِيدُ بِهِ.

وَهَكَذَا الِاحْتِمَالُ؛ لِأَنَّ فِي مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا؛ لِيَحْفَظَ لَهُ حَرْثًا، أَوْ مَاشِيَةً، إنْ حَصَلَتْ، أَوْ يَصِيدَ بِهِ إنْ احْتَاجَ إلَى الصَّيْدِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْحَالِ حَرْثٌ، وَلَا مَاشِيَةٌ، يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ؛ لِقَصْدِهِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ حَصَدَ الزَّرْعَ، وَأَرَادَ أَنْ يَزْرَعَ غَيْرَهُ.

[فَصْلٌ حُكْم بَيْعُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ]

(٣١٦١) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخِنْزِيرِ، وَلَا الْمَيْتَةِ، وَلَا الدَّمِ. . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ، وَعَلَى أَنَّ بَيْعَ الْخِنْزِيرِ، وَشِرَاءَهُ، حَرَامٌ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، كَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا، وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ، كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُصَادُ بِهِ مِنْ الطَّيْرِ، كَالرَّخَمِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ، وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَبَيْضِهَا، فَكُلُّ هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ، فَأَخْذُ ثَمَنِهِ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.

[فَصْلٌ بَيْعُ السَّرْجَيْنِ النَّجِسِ]

(٣١٦٢) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْجِينِ النَّجِسِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ يَتَبَايَعُونَهُ لِزُرُوعِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَلَنَا، أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ؛ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَالْمَيْتَةِ.

وَمَا ذَكَرُوهُ فَلَيْسَ بِإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّهُ رَجِيعٌ نَجِسٌ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَرَجِيعِ الْآدَمِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>