أَشْبَهَ الْمُسْلَمَ فِيهِ إذَا سَلَّمَهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إبْدَالِهَا، أَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ، فَلِلْمُكْتَرِي الْفَسْخُ أَيْضًا.
[فَصْلٌ عَلَى الْمُكْرِي مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ]
(٤١٨٤) فَصْلٌ: وَعَلَى الْمُكْرِي مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، كَتَسْلِيمِ مَفَاتِيحِ الدَّارِ وَالْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّمْكِينَ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَتَسْلِيمُ مَفَاتِيحِهَا تَمْكِينٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ. فَإِنْ ضَاعَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُكْتَرِي، فَعَلَى الْمُكْرِي بَدَلُهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُكْتَرِي، فَأَشْبَهَ ذَلِكَ حِيطَانَ الدَّارِ وَأَبْوَابَهَا. وَعَلَيْهِ بِنَاءُ حَائِطٍ إنْ سَقَطَ، وَإِبْدَالُ خَشَبِهِ إنْ انْكَسَرَ. وَعَلَيْهِ تَبْلِيطُ الْحَمَّامِ، وَعَمَلُ الْأَبْوَابِ وَالْبَزْلِ وَمَجْرَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَمَا كَانَ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ، كَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ، فَعَلَى الْمُكْتَرِي
وَأَمَّا التَّحْسِينُ وَالتَّزْوِيقُ، فَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مُمْكِنٌ بِدُونِهِ. وَأَمَّا تَنْقِيَةُ الْبَالُوعَةِ وَالْكُنُفِ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْكِرَاءِ، فَعَلَى الْمُكْرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ امْتَلَأَتْ بِفِعْلِ الْمُكْتَرِي فَعَلَيْهِ تَفْرِيغُهَا. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: هُوَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اكْتَرَى وَهِيَ مَلْأَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ عَلَى الْمُكْتَرِي، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ ذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِفِعْلِ الْمُكْتَرِي، فَكَانَ عَلَيْهِ تَنْظِيفُهُ كَمَا لَوْ طَرَحَ فِيهَا قُمَاشًا. وَالْقَوْلُ فِي تَفْرِيغِ جية الْحَمَّامِ الَّتِي هِيَ مَصْرِفُ مَائِهِ، كَالْقَوْلِ فِي بَالُوعَةِ الدَّارِ
وَإِنْ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ، وَفِي الدَّارِ زِبْلٌ أَوْ قُمَامَةٌ مِنْ فِعْلِ السَّاكِنِ، فَعَلَيْهِ نَقْلُهُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
[فَصْلٌ شَرَطَ عَلَى مُكْتَرِي الْحَمَّامِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مُدَّةَ تَعْطِيلِهِ عَلَيْهِ]
(٤١٨٥) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ عَلَى مُكْتَرِي الْحَمَّامِ، أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مُدَّةَ تَعْطِيلِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْجَرَ مُدَّةً لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ فِي بَعْضِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ يَسْتَوْفِي بِقَدْرِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ انْتِهَاءُ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ مَجْهُولًا. فَإِنْ أَطْلَقَ، وَتَعَطَّلَ، فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ، وَالْمُكْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ بِكُلِّ الْأَجْرِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ لَهُ أَرْشَ الْعَيْبِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَرَضِيَهُ، وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ لَهُ أَرْشَ الْعَيْبِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا، فَلَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ حَتَّى أَكَلَهُ، أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ.
[فَصْلٌ شَرَطَ الْإِنْفَاقَ عَلَى الْعَيْنِ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْمُكْرِي]
(٤١٨٦) فَصْلٌ: وَإِنْ شَرَطَ الْإِنْفَاقَ عَلَى الْعَيْنِ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْمُكْرِي، كَعِمَارَةِ الْحَمَّامِ، إذَا شَرَطَهَا عَلَى الْمُكْتَرِي، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكٌ لِلْمُؤَجِّرِ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ. وَإِذَا أَنْفَقَ بِنَاءً عَلَى هَذَا، احْتَسَبَ بِهِ عَلَى الْمُكْرِي؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute