الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ،
وَلِأَنَّ تَوْرِيثَ الْقَاتِلِ يُفْضِي إلَى تَكْثِيرِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ رُبَّمَا اسْتَعْجَلَ مَوْتَ مَوْرُوثِهِ، لِيَأْخُذَ مَالَهُ، كَمَا فَعَلَ الْإِسْرَائِيلِيُّ الَّذِي قَتَلَ عَمَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ قِصَّةَ الْبَقَرَةِ. وَقِيلَ: مَا وُرِّثَ قَاتِلٌ بَعْدَ عَامِيلٍ، وَهُوَ اسْمُ الْقَتِيلِ. فَأَمَّا الْقَتْلُ خَطَأً، فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَيْضًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَعُرْوَةُ، وَطَاوُسٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشَرِيكٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَوَكِيعٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَوَرَّثَهُ قَوْمٌ مِنْ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَدَاوُد. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، تَخَصَّصَ قَاتِلُ الْعَمْدِ بِالْإِجْمَاعِ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ فِيمَا سِوَاهُ. وَلَنَا؛ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ لَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهَا، كَقَاتِلِ الْعَمْدِ، وَالْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ، وَالْعُمُومَاتُ مُخَصَّصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ الْقَتْلُ الْمَانِعُ مِنْ الْإِرْثِ]
(٤٩٤٤) فَصْلٌ: وَالْقَتْلُ الْمَانِعُ مِنْ الْإِرْثِ هُوَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ الْمَضْمُونُ بِقَوَدٍ، أَوْ دِيَةٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ كَالْعَمْدِ، وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ؛ كَالْقَتْلِ بِالسَّبَبِ، وَقَتْلِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَالنَّائِمِ، وَمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا لَمْ يَمْنَعْ الْمِيرَاثَ؛ كَالْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا، أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَقَتْلِ الْعَادِلِ الْبَاغِي، أَوْ مَنْ قَصَدَ مَصْلَحَةَ مُوَلِّيهِ بِمَا لَهُ فِعْلُهُ؛ مِنْ سَقْيِ دَوَاءٍ، أَوْ رَبْطِ جِرَاحٍ، فَمَاتَ
وَمَنْ أَمَرَهُ إنْسَانٌ عَاقِلٌ كَبِيرٌ بِبَطِّ خَرَاجِهِ، أَوْ قَطْعِ سِلْعَةٍ مِنْهُ، فَتَلِفَ بِذَلِكَ، وَرِثَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ فِي الْحَرْبِ يَرِثُهُ. وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَحْمَدَ، فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى أُخْتِهِمْ بِالزِّنَا، فَرُجِمَتْ، فَرَجَمُوا مَعَ النَّاسِ: يَرِثُونَهَا هُمْ غَيْرُ قَتَلَةٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ بِكُلِّ حَالٍ، فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ ابْنَيْهِ صَالِحٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ: لَا يَرِثُ الْعَادِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute