وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ، وَلَمْ يُوجَدْ غَلَبَةُ ظَنٍّ تَنْقُلُ عَنْهُ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ عَنْهَا.
[فَصْل أَخْبَرَتْ الزَّوْجَ أَصَابَهَا فَأَنْكَرَ الرَّجْعَةَ]
فَصْلٌ: وَإِذَا أَخْبَرَتْ أَنَّ الزَّوْجَ أَصَابَهَا، فَأَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْمَهْرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا نِصْفُهُ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِالْخَلْوَةِ بِهَا.
فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَصَابَهَا. لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِتَحْرِيمِهَا. فَإِنْ عَادَ فَأَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْت صِدْقَهَا. دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْن اللَّه تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِذَا عَلِمَ حِلَّهَا لَهُ، لَمْ تَحْرُمْ بِكَذِبِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ. وَلَوْ قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَصَابَهَا. لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حِلِّهَا لَهُ خَبَرٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ، لَا حَقِيقَةُ الْعِلْمِ.
[فَصْل طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَغَابَ وَقَضَتْ عِدَّتَهَا وَأَرَادَتْ التَّزَوُّجَ]
(٦١٠٣) فَصْلٌ: وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَغَابَ، وَقَضَتْ عِدَّتَهَا، وَأَرَادَتْ التَّزَوُّجَ، فَقَالَ وَكِيلُهُ: تَوَقَّفِي كَيْ لَا يَكُونَ رَاجَعَك. لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا التَّوَقُّفُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ، وَحِلُّ النِّكَاحِ، فَلَا يَجِبُ الزَّوَالُ عَنْهُ بِأَمْرِ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا التَّوَقُّفُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لَوَجَبَ عَلَيْهَا التَّوَقُّفُ قَبْلَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الرَّجْعَةِ مَوْجُودٌ، سَوَاءٌ قَالَ أَوْ لَمْ يَقُلْ، فَيُفْضِي إلَى تَحْرِيمِ النِّكَاحِ عَلَى كُلِّ رَجْعِيَّةٍ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَبَدًا.
[فَصْل قَالَتْ قَدْ تَزَوَّجْت مَنْ أَصَابَنِي ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا]
(٦١٠٤) فَصْلٌ: فَإِذَا قَالَتْ: قَدْ تَزَوَّجْت مَنْ أَصَابَنِي. ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا، لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ، لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُبِيحَ لِلْعَقْدِ قَدْ زَالَ، فَزَالَتْ الْإِبَاحَةُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا عَقَدَ عَلَيْهَا، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إبْطَالٌ لِلْعَقْدِ الَّذِي لَزِمَهَا بِقَوْلِهَا، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ، فَأَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ الْإِقْرَارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute