وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ، وَأَثْمَانُ الْبِيَاعَاتِ، وَحُلِيٌّ لِمَنْ يُرِيدُهُمَا لِذَلِكَ، فَأَشْبَهَا النَّوْعَيْنِ، وَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِعَرْضِ التِّجَارَةِ، فَنَقِيسُ عَلَيْهِ. فَإِذَا قُلْنَا بِالضَّمِّ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ بِالْأَجْزَاءِ، يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحْتَسَبُ مِنْ نِصَابِهِ، فَإِذَا كَمَلَتْ أَجْزَاؤُهُمَا نِصَابًا، وَجَبَتْ الزَّكَاةُ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصْفُ نِصَابٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَنِصْفُ نِصَابٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ، أَوْ ثُلُثٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَثُلُثَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ. فَلَوْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ دَنَانِيرَ، أَوْ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ، وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا.
وَإِنْ نَقَصَتْ أَجْزَاؤُهُمَا عَنْ نِصَابٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا. سُئِلَ أَحْمَدُ، عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: إنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ فِيهَا الزَّكَاةُ، إذَا كَانَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا، فَلَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَضْمُونَةً كَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَأَنْوَاعِ الْأَجْنَاسِ كُلِّهَا.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، أَنَّهَا تُضَمُّ بِالْأَحْوَطِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَالْقِيمَةِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ الْغَالِي مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الرَّخِيصِ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُمَا بِالرَّخِيصِ مِنْهُمَا نِصَابًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا؛ فَلَوْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةَ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ، أَوْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا قِيمَتُهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْوِيمِ الدَّنَانِيرِ بِالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصَابِ وَجَبَ فِيهِ ضَمُّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ، ضُمَّ بِالْقِيمَةِ، كَنِصَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَلِأَنَّ أَصْلَ الضَّمِّ لِتَحْصِيلِ حَظِّ الْفُقَرَاءِ، فَكَذَلِكَ صِفَةُ الضَّمِّ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أَعْيَانِهَا، فَلَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا، كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ. وَيُخَالِفُ نِصَابَ الْقَطْعِ، فَإِنَّ نِصَابَ الْقَطْعِ فِيهِ الْوَرِقُ خَاصَّةً فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ رُبْعَ دِينَارٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةُ مَا دُونَ الْعِشْرِينَ مِنْ النَّقْدَيْنِ لَا زَكَاةَ فِيهِ]
(١٨٧٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكَذَلِكَ دُونَ الْعِشْرِينَ مِثْقَالًا) يَعْنِي أَنَّ مَا دُونَ الْعِشْرِينَ لَا زَكَاةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتِمَّ بِوَرِقٍ أَوْ عُرُوضِ تِجَارَةٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ إذَا كَانَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهَا، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَلَا يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ.
وَقَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ: نِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْفِضَّةِ، فَمَا كَانَ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْدِيرٌ فِي نِصَابِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْفِضَّةِ. وَلَنَا مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute