[كِتَاب الْحُدُود]
ِ الزِّنَى حَرَامٌ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء: ٣٢] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨] {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: ٦٩] وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك. قَالَ: قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك. قَالَ: قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك.» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَكَانَ حَدُّ الزَّانِي فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْحَبْسَ لِلثَّيِّبِ، وَالْأَذَى بِالْكَلَامِ مِنْ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لِلْبِكْرِ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: ١٦] .
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ نِسَائِكُمْ) الثَّيِّبُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (مِنْ نِسَائِكُمْ) إضَافَةُ زَوْجِيَّةٍ، كَقَوْلِهِ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] . وَلَا فَائِدَةَ فِي إضَافَتِهِ هَاهُنَا نَعْلَمُهَا إلَّا اعْتِبَارُ الثُّيُوبَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ عُقُوبَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا أَغْلَظُ مِنْ الْأُخْرَى، فَكَانَتْ الْأَغْلَظُ لِلثَّيِّبِ، وَالْأُخْرَى لِلْأَبْكَارِ. كَالرَّجْمِ وَالْجَلْدِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا بِمَا رَوَى عُبَادَةَ بْنُ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يُنْسَخُ الْقُرْآنُ بِالسُّنَّةِ؟ قُلْنَا: قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى جَوَازِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ طُرُقُهُ، وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قَالَ: لَيْسَ هَذَا نَسْخًا، إنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْقُرْآنِ وَتَبْيِينٌ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ حُكْمٍ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ، فَأَمَّا مَا كَانَ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ، وَزَالَ الشَّرْطُ، لَا يَكُونُ نَسْخًا، وَهَا هُنَا شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى حَبْسَهُنَّ إلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا، فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ السَّبِيلَ، فَكَانَ بَيَانًا لَا نَسْخًا. وَيُمْكِنُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute