للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ طَالَ، وَيَكُونُ الزَّائِدُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي تَلَفِهِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَكْثَرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا إلَّا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِهَا نِصْفَ دِينَارٍ، وَقَبَضَ دِينَارًا كَامِلًا، وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ، ثُمَّ اقْتَرَضَهَا مِنْهُ، فَاشْتَرَى بِهَا النِّصْفَ الْبَاقِيَ، أَوْ اشْتَرَى الدِّينَارَ مِنْهُ بِعَشَرَةٍ ابْتِدَاءً، وَدَفَعَ إلَيْهِ الْخَمْسَةَ، ثُمَّ اقْتَرَضَهَا مِنْهُ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ عِوَضًا عَنْ النِّصْفِ الْآخَرِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْحِيلَةِ، فَلَا بَأْسَ.

[فَصْلٌ بَاعَ مُدْيَ تَمْرٍ رَدِيءٍ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ اشْتَرَى بِالدِّرْهَمِ تَمْرًا جَنِيبًا]

(٢٨٦٠) فَصْلٌ: وَإِذَا بَاعَ مُدَّيْ تَمْرٍ رَدِيءٍ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالدِّرْهَمِ تَمْرًا جَنِيبًا، أَوْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دِينَارًا صَحِيحًا بِدَرَاهِمَ، وَتَقَابَضَاهَا، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ قُرَاضَةً مِنْ غَيْرِ مُوَاطَأَةٍ، وَلَا حِيلَةٍ، فَلَا بَأْسَ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ، إلَّا أَنْ يَمْضِيَ إلَى غَيْرِهِ لِيَبْتَاعَ مِنْهُ، فَلَا يَسْتَقِيمُ لَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْبَائِعِ، فَيَبْتَاعَ مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ أَحَبُّ إلَيَّ. قُلْت لَهُ: قَالَ لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ؟ فَقَالَ: يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ وَأَحْرَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الذَّهَبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ إذَا رَدَّهَا إلَيْهِ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يُوَفِّيَهُ الذَّهَبَ، وَلَا يُحْكِمَ الْوَزْنَ، وَلَا يَسْتَقْصِيَ، يَقُولُ: هِيَ تَرْجِعُ إلَيْهِ.

قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَذَهَبَ لِيَشْتَرِيَ الدَّرَاهِمَ بِالذَّهَبِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَجِدْهَا، فَرَجَعَ إلَيْهِ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ لَا يُبَالِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَنَعَمْ. فَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ، لَا الْإِيجَابِ. وَلَعَلَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَرَادَ اجْتِنَابَ الْمُوَاطَأَةِ عَلَى هَذَا، وَلِهَذَا قَالَ: إذَا كَانَ لَا يُبَالِي اشْتَرَى مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَنَعَمْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً، جَازَ، وَإِنْ فَعَلَهُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُضَارِعُ الرِّبَا. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: «جَاءَ بِلَالٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَمْرٍ بَرْنِيِّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ . قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْت صَاعَيْنِ بِصَاعٍ؛ لِيُطْعِمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إذَا أَرَدْت أَنْ تَشْتَرِيَ، فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ.» وَرَوَى أَيْضًا أَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرٍ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ . قَالَ: لَا وَاَللَّهِ. إنَّا لَنَأْخُذَ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَفْعَلْ، بِعْ التَّمْرَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا لَبَيَّنَهُ لَهُ، وَعَرَّفَهُ إيَّاهُ.

وَلِأَنَّهُ بَاعَ الْجِنْسَ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَلَا مُوَاطَأَةٍ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَلِأَنَّ مَا جَازَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ مَرَّةً، جَازَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ. فَأَمَّا إنْ تَوَاطَآ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ حِيلَةً مُحَرَّمَةً، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ، مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>