الثَّانِي أَنَّ الْجَعَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا مَعَ الْغَرَرِ ضَرَرٌ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا مَعَ الْغَرَرِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ. الثَّالِثُ أَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ، لَزِمَهُ الْعَمَلُ فِي جَمِيعِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بَعْدَهَا، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ، فَرُبَّمَا عَمِلَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ
فَقَدْ لَزِمَهُ مِنْ الْعَمَلِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ. فَقَدْ خَلَا بَعْضُ الْمُدَّةِ مِنْ الْعَمَلِ، إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ عَمَلِهِ، فَأَلْزَمْنَاهُ إتْمَامَ الْعَمَلِ، فَقَدْ لَزِمَهُ الْعَمَلُ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ. فَمَا أَتَى بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجُعْلَ هُوَ عَمَلٌ مُقَيَّدٌ بِمُدَّةٍ، إنْ أَتَى بِهِ فِيهَا اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فِيهَا، فَلَا شَيْءَ لَهُ
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ مَنْ عَمِلَ الْعَمَلَ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عِوَضٌ يُسْتَحَقُّ بِعَمَلٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ، كَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ.
[فَصْلٌ جَعَلَ الْجَعْلَ فِي الْجَعَالَةِ لَوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ]
(٤٥٢٨) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْجُعْلَ فِي الْجَعَالَةِ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، فَيَقُولَ لَهُ: إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ دِينَارٌ. فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ مَنْ يَرُدُّهُ سِوَاهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَيَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ. فَمَنْ رَدَّهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِوَاحِدٍ فِي رَدِّهِ شَيْئًا مَعْلُومًا، وَلِآخَرَ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمُعَيَّنِ عِوَضًا، وَلِسَائِرِ النَّاسِ عِوَضًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَجْرُ فِي الْإِجَارَةِ مُخْتَلِفًا مَعَ التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى
فَإِنْ قَالَ: مَنْ رَدَّ لُقَطَتِي فَلَهُ دِينَارٌ. فَرَدَّهَا ثَلَاثَةٌ، فَلَهُمْ الدِّينَارُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي الْعَمَلِ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ الْعِوَضُ، فَاشْتَرَكُوا فِي الْعِوَضِ، كَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ هَذَا النَّقْبَ فَلَهُ دِينَارٌ. فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ، اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا كَامِلًا، فَلِمَ لَا يَكُونُ هَاهُنَا كَذَلِكَ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّاخِلِينَ دَخَلَ دُخُولًا كَامِلًا، كَدُخُولِ الْمُنْفَرِدِ، فَاسْتَحَقَّ الْعِوَضَ كَامِلًا، وَهَا هُنَا لَمْ يَرُدُّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَامِلًا، إنَّمَا اشْتَرَكُوا فِيهِ، فَاشْتَرَكُوا فِي عِوَضِهِ. فَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الدُّخُولِ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَلَهُ دِينَارٌ
فَرَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَبْدًا. وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ نَقَبَ السُّورَ فَلَهُ دِينَارٌ. فَنَقَبَ ثَلَاثَةٌ نَقْبًا وَاحِدًا. فَإِنْ جَعَلَ لِوَاحِدٍ فِي رَدِّهَا دِينَارًا، وَلِآخَرَ دِينَارَيْنِ، وَلِثَالِثٍ ثَلَاثَةً، فَرَدَّهُ الثَّلَاثَةُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ مَا جَعَلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلَ ثُلُثَ الْعَمَلِ، فَاسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْمُسَمَّى. فَإِنْ جَعَلَ لِوَاحِدٍ دِينَارًا، وَلِآخَرَيْنِ عِوَضًا مَجْهُولًا، فَرَدُّوهُ مَعًا، فَلِصَاحِبِ الدِّينَارِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْآخَرَيْنِ أَجْرُ عَمَلِهِمَا
وَإِنْ جَعَلَ لِوَاحِدٍ شَيْئًا فِي رَدِّهَا، فَرَدَّهَا هُوَ وَآخَرَانِ مَعَهُ، وَقَالَا: رَدَدْنَا مُعَاوَنَةً لَهُ. اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْجُعْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَإِنْ قَالَا: رَدَدْنَاهُ لِنَأْخُذَ الْعِوَضَ لِأَنْفُسِنَا. فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَلَهُ ثُلُثُ الْجُعْلِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute