أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ: عَلَيْهَا ذَلِكَ. وَاحْتَجَّا «بِقِصَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ بِخِدْمَةِ الْبَيْتِ، وَعَلَى عَلِيٍّ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْبَيْتِ مِنْ عَمَلٍ» . رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ مِنْ طُرُقٍ. قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إلَى جَبَلٍ أَحْمَرَ، أَوْ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ، كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَفْعَلَ» . وَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ.
قَالَ: فَهَذِهِ طَاعَتُهُ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، فَكَيْفَ بِمُؤْنَةِ مَعَاشِهِ؟ «وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ نِسَاءَهُ بِخِدْمَتِهِ. فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ اسْقِينَا، يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا، يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الشَّفْرَةَ، وَاشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ» .
وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْكُو إلَيْهِ مَا تَلْقَى مِنْ الرَّحَى، وَسَأَلَتْهُ خَادِمًا يَكْفِيهَا ذَلِكَ.» وَلَنَا - أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا الِاسْتِمْتَاعُ، فَلَا يَلْزَمُهَا غَيْرُهُ، كَسَقْيِ دَوَابِّهِ، وَحَصَادِ زَرْعِهِ. فَأَمَّا قَسْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، فَعَلَى مَا تَلِيقُ بِهِ الْأَخْلَاقُ الْمَرْضِيَّةُ، وَمَجْرَى الْعَادَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ، كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ بِفَرَسِ الزُّبَيْرِ، وَتَلْتَقِطُ لَهُ النَّوَى، وَتَحْمِلُهُ عَلَى رَأْسِهَا. وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهَا، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْقِيَامُ بِمَصَالِحٍ خَارِجَ الْبَيْتِ، وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَى مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ، وَلَكِنْ الْأَوْلَى لَهَا فِعْلُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقِيَامِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَلَا تَصْلُحُ الْحَالُ إلَّا بِهِ، وَلَا تَنْتَظِمُ الْمَعِيشَةُ بِدُونِهِ.
[فَصْلٌ وَطْء الزَّوْجَة فِي الدُّبُرِ]
(٥٦٩٧) فَصْلٌ: وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الزَّوْجَةِ فِي الدُّبُرِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَتْ إبَاحَتُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَنَافِعٍ، وَمَالِكٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ فِي دِينِي فِي أَنَّهُ حَلَالٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute