وَذَكَرَ حَدِيثَ سَيْف أَبِي جَهْلٍ.
وَهُوَ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: انْتَهَيْت إلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ ضُرِبَتْ رِجْلُهُ، فَقُلْت: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاك يَا أَبَا جَهْلٍ فَأَضْرِبُهُ بِسَيْفٍ مَعِي غَيْرِ طَائِلٍ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذْت سَيْفَهُ، فَضَرَبْته بِهِ حَتَّى بَرَدَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَفِي رُكُوبِ الْفَرَسِ لِلْجِهَادِ رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا، يَجُوزُ، كَمَا يَجُوزُ فِي السِّلَاحِ، وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهَا تَتَعَرَّضُ لِلْعَطَبِ غَالِبًا، وَقِيمَتُهَا كَثِيرَةٌ، بِخِلَافِ السِّلَاحِ.
[مَسْأَلَةٌ صِفَة الْأَمَان]
(٧٦٣٠) مَسْأَلَةٌ، قَالَ: (وَمَنْ لَقِيَ عِلْجًا، فَقَالَ لَهُ: قِفْ، أَوْ: أَلْقِ سِلَاحَك فَقَدْ أَمَّنَهُ) . قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مَنْ يَصِحُّ أَمَانُهُ، وَنَذْكُرُ هَاهُنَا صِفَةَ الْأَمَانِ، فَاَلَّذِي وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لَفْظَتَانِ؛ أَجَرْتُك وَأَمَّنْتُك لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: ٦] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت» .
وَقَالَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» . وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ إذَا قَالَ: لَا تَخَفْ، لَا تَذْهَلْ، لَا تَخْشَ، لَا خَوْفَ عَلَيْك، لَا بَأْسَ عَلَيْك وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قُلْتُمْ: لَا بَأْسَ، أَوْ لَا تَذْهَلْ، أَوْ مَتْرَسٌ فَقَدْ أَمَّنْتُمُوهُمْ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: لَا تَخَفْ فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَإِذَا قَالَ: لَا تَذْهَلْ. فَقَدْ أَمَّنَهُ. فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلْهُرْمُزَانِ: تَكَلَّمْ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْك. فَلَمَّا تَكَلَّمَ، أَمَرَ عُمَرُ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَيْسَ لَك إلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، قَدْ أَمَّنْته فَقَالَ عُمَرُ كَلًّا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ قَدْ قُلْت لَهُ: تَكَلَّمْ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْك فَدَرَأَ عَنْهُ عُمَرُ الْقَتْلَ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَغَيْرُهُ.
وَهَذَا كُلُّهُ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُ: قُمْ، أَوْ قِفْ، أَوْ أَلْقِ سِلَاحَك. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ أَمَانٌ أَيْضًا، لِأَنَّ الْكَافِرَ يَعْتَقِدُ هَذَا أَمَانًا، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: أَمَّنْتُك وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ ادَّعَى الْكَافِرُ أَنَّهُ آمِنٌ، أَوْ قَالَ: إنَّمَا وَقَفْت لِنِدَائِك فَهُوَ آمِنٌ، إنْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ. .
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَمَانٍ، لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يُشْعِرُ بِهِ، وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِرْهَابِ وَالتَّخْوِيفِ، فَلَمْ يَكُنْ أَمَانًا، لِقَوْلِهِ: لَأَقْتُلَنَّك لَكِنْ يُرْجَعُ إلَى الْقَائِلِ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت بِهِ الْأَمَانَ. فَهُوَ أَمَانٌ، وَإِنْ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute