وَلَنَا، أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ الدَّارَ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ دَخَلَهَا مَاشِيًا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ فِيهَا، فَإِنَّ قَدَمَهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الدَّابَّةِ فِيهَا. فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَهَا مُنْتَعِلًا. وَعَلَى أَنَّ هَذَا فِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِنَابِ الدُّخُولِ، فَتُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَجَازٌ لَا يُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ. قُلْنَا: الْمَجَازُ إذَا اشْتَهَرَ، صَارَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ، فَيَنْصَرِفُ اللَّفْظُ بِإِطْلَاقِهِ إلَيْهِ، كَلَفْظِ الرِّوَايَةِ وَالدَّابَّةِ، وَغَيْرِهِمَا.
[فَصْل حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ]
(٨٠٨٦) فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا، فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ تَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْبَابِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَحْنَثَ إذَا أَرَادَ بِيَمِينِهِ اجْتِنَابَ الدَّارِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَابِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَ زَوْجَتِهِ فِي دَارٍ، فَآوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا. وَإِنْ حُوِّلَ بَابُهَا فِي مَكَان آخَرَ، فَدَخَلَ فِيهِ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا مِنْ بَابِهَا. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ حَلَفَ: لَا دَخَلْت مِنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ. فَكَذَلِكَ. وَإِنْ جُعِلَ لَهَا بَابٌ آخَرُ، مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ، فَدَخَلَ مِنْهُ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مِنْ بَابِ الدَّارِ. وَإِنْ قُلِعَ الْبَابُ، وَنُصِبَ فِي دَارٍ أُخْرَى، وَبَقِيَ الْمَمَرُّ، حَنِثَ بِدُخُولِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي نُصِبَ فِيهِ الْبَابُ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الْمَمَرِّ لَا مِنْ الْمِصْرَاعِ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ دَارًا يَسْكُنُهَا بِأُجْرَةِ]
(٨٠٨٧) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، فَدَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لَهُ، أَوْ دَارًا يَسْكُنُهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَصْبٍ، حَنِثَ. وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِدُخُولِ دَارٍ يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَالِكِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ. كَانَ مُقِرًّا لَهُ بِمِلْكِهَا. وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّهُ يَسْكُنُهَا. لَمْ يُقْبَلْ.
وَلَنَا، أَنَّ الدَّارَ تُضَافُ إلَيَّ سَاكِنِهَا، كَإِضَافَتِهَا إلَى مَالِكِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: ١] . أَرَادَ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِنَّ الَّتِي يَسْكُنُهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: ٣٣] . وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَكَذَلِكَ يُضَافُ الرَّجُلُ إلَى أَخِيهِ بِالْأُخُوَّةِ، وَإِلَى أَبِيهِ بِالْبُنُوَّةِ، وَإِلَى وَلَدِهِ بِالْأُبُوَّةِ، وَإِلَى امْرَأَتِهِ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَسَاكِنُ الدَّارِ مُخْتَصٌّ بِهَا، فَكَانَتْ إضَافَتُهَا إلَيْهِ صَحِيحَةً، وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعُرْفِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ بِدُخُولِهَا، كَالْمَمْلُوكَةِ لَهُ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةُ. مَجَازٌ مَمْنُوعٌ، بَلْ هِيَ حَقِيقَةٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مَجَازًا، لَكِنَّهُ مَشْهُورٌ، فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا شَرِبْت مِنْ رِوَايَةِ فُلَانٍ. فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْ مَزَادَتِهِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ دَارُ زَيْدٍ وَفَسَّرَ إقْرَارَهُ بِسُكْنَاهَا، احْتَمَلَ أَنْ نَقُولَ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute