فَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي الطَّلَاقِ، فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ كَسَائِرِ الْكِنَايَات. وَذَكَرَ الْقَاضِي، فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، فِي مَنْ قَالَ: حَلَفْت بِالطَّلَاقِ. وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ، فَهَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
[مَسْأَلَةٌ وَهَبَ زَوْجَتَهُ لِأَهْلِهَا]
(٥٨٧٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ زَوْجَتَهُ لِأَهْلِهَا، فَإِنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ، يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَلَا شَيْءَ) هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَطَاءٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالنَّخَعِيّ: إنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْحَسَنِ: إنْ قَبِلُوهَا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَمَالِكٌ: هِيَ ثَلَاثٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، قَبِلُوهَا أَوْ رَدُّوهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهَا كَقَوْلِهِ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ، قَبِلُوهَا أَوْ رَدُّوهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَاخْتَلَفَا هَاهُنَا بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمَا.
وَلَنَا، عَلَى أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إذَا لَمْ يَقْبَلُوهَا، أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْبُضْعِ، فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبُولِ، كَقَوْلِهِ: اخْتَارِي، وَأَمْرُك بِيَدِك. وَكَالنِّكَاحِ. وَعَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ ثَلَاثًا أَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمِلٌ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، كَقَوْلِهِ: اخْتَارِي. وَعَلَى أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ، أَنَّهَا طَلْقَةٌ لِمَنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ، قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ، فَكَانَتْ رَجْعِيَّةً، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ. وَقَوْلُهُ: إنَّهَا وَاحِدَةٌ. مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ، أَوْ نَوَى وَاحِدَةً، فَأَمَّا إنْ نَوَى ثَلَاثًا، أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ فَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ فِي عَدَدِهَا كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ. وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، أَوْ تَكُونَ ثَمَّ دَلَالَةُ حَالٍ، لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ، وَالْكِنَايَاتُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ كَذَلِكَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ مِنْ الَّذِي يَقْبَلُ أَيْضًا، كَمَا تُعْتَبَرُ فِي اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ إذَا قَالَ لَهَا: اخْتَارِي، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك. إذَا ثَبَتَ هَذَا؛ فَإِنَّ صِيغَةَ الْقَبُولِ أَنْ يَقُولَ أَهْلُهَا: قَبِلْنَاهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَالْحُكْمُ فِي هِبَتِهَا لِنَفْسِهَا، أَوْ لِأَجْنَبِيِّ، كَالْحُكْمِ فِي هِبَتِهَا لِأَهْلِهَا.
[فَصْلٌ بَاعَ امْرَأَتَهُ لِغَيْرِهِ]
(٥٨٧٨) فَصْلٌ: فَإِنْ بَاعَ امْرَأَتَهُ لِغَيْرِهِ، لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَطْلُقُ، وَاحِدَةً، وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يَقْتَضِي خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute