للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» .

فَقَضَى بِهِ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ. وَقَالَ " احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ ". وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ النَّسَبَ عَلَى غَيْرِهِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْعَدَدُ، كَالشَّهَادَةِ.

وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْعَدَدُ، كَالدَّيْنِ. وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْعَدَدُ فِيهِ، كَإِقْرَارِ الْمَوْرُوثِ، وَاعْتِبَارِهِ بِالشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ اللَّفْظُ وَلَا الْعَدَالَةُ، وَيَبْطُلُ بِالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ.

[فَصْلٌ شُرُوطِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ]

(٣٨٨٠) فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً، أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ بِوَلَدٍ، اُعْتُبِرَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولَ النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ نَسَبَهُ الثَّابِتَ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيه. الثَّانِي، أَنْ لَا يُنَازِعَهُ فِيهِ مُنَازِعٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَازَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ تَعَارَضَا، فَلَمْ يَكُنْ إلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.

الثَّالِثُ، أَنْ يُمْكِنَ صِدْقُهُ، بِأَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُولَدَ لِمِثْلِهِ. الرَّابِعُ، أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا قَوْلَ لَهُ، كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، أَوْ يُصَدِّقَ الْمُقِرَّ إنْ كَانَ ذَا قَوْلٍ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، لَمْ يُعْتَبَرْ تَصْدِيقُهُ. فَإِنْ كَبِرَ وَعَقَلَ، فَأَنْكَرَ، لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ، وَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى مَنْ ادَّعَى مِلْكَ عَبْدٍ صَغِيرٍ فِي يَدِهِ، وَثَبَتَ بِذَلِكَ مِلْكُهُ، فَلَمَّا كَبِرَ جَحَدَ ذَلِكَ. وَلَوْ طَلَبَ إحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يُسْتَحْلَفْ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ عَادَ فَجَحَدَ النَّسَبَ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. وَإِنْ اعْتَرَفَ إنْسَانٌ بِأَنَّ هَذَا أَبُوهُ، فَهُوَ كَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ.

فَأَمَّا إنْ كَانَ إقْرَارًا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، كَإِقْرَارٍ بِأَخٍ، اُعْتُبِرَ فِيهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ، وَشَرْطٌ خَامِسٌ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُقِرِّ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً لَا وَارِثَ مَعَهُمَا، لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ الْإِمَامُ مَعَهُ، ثَبَتَ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُسْلِمِينَ، فِي مُشَارَكَةِ الْوَارِثِ وَأَخْذِ الْبَاقِي.

وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ بِنْتًا أَوْ أُخْتًا أَوْ أُمًّا أَوْ ذَا فَرْضٍ يَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، ثَبَتَ النَّسَبُ بِقَوْلِهِ، كَالِابْنِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الرَّدَّ، وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَلَهُمْ فِيمَا إذَا وَافَقَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِقْرَارِ وَجْهَانِ. وَهَذَا مِنْ فُرُوعِ الرَّدِّ، وَيُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ. وَإِنْ كَانَتْ بِنْتٌ وَأُخْتٌ، أَوْ أُخْتٌ وَزَوْجٌ، ثَبَتَ النَّسَبُ بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَأْخُذَانِ الْمَالَ كُلَّهُ.

وَإِذَا أَقَرَّ بِابْنِ ابْنِهِ، وَابْنُهُ مَيِّتٌ، اُعْتُبِرَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْأَخِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِعَمٍّ وَهُوَ ابْنُ جَدِّهِ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>