كَقَوْلِنَا فِيمَا إذَا الْتَقَطَ مَا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ. وَلَوْ تَرَكَ التَّعْرِيفَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَمْلِكْهَا أَيْضًا بِالتَّعْرِيفِ فِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكْمُلْ، وَعَدَمُ بَعْضِ الشَّرْطِ كَعَدَمِ جَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ أَخَلَّ بِبَعْضِ الطَّهَارَةِ، أَوْ بِبَعْضِ السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ.
[فَصْلٌ تَرَكَ تَعْرِيفَ اللُّقَطَةِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ]
(٤٥٠٢) فَصْلٌ: وَإِنْ تَرَكَ التَّعْرِيفَ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا لَوْ تَرَكَهُ مَعَ إمْكَانِهِ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَهُ فِي الْحَوْلِ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ، سَوَاءٌ انْتَفَى لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ يُعَرِّفُهُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، وَيَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ التَّعْرِيفَ عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَرَّفَهُ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ.
[مَسْأَلَة عَرَّفَ اللُّقَطَةَ حَوْلًا فَلَمْ تُعْرَفْ]
(٤٥٠٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، وَإِلَّا كَانَتْ كَسَائِرِ مَالِهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا عَرَّفَ اللُّقَطَةَ حَوْلًا، فَلَمْ تُعْرَفْ، مَلَكَهَا مُلْتَقِطُهَا، وَصَارَتْ مِنْ مَالِهِ، كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، غَنِيًّا كَانَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ فَقِيرًا. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا خَيَّرَهُ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْغُرْمِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا. وَرُوِيَ: ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، وَإِلَّا تَصَدَّقْ بِهَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّهَا، فَرَضِيَ بِالْأَجْرِ، وَإِلَّا غَرِمَهَا» . وَلِأَنَّهَا مَالٌ لِمَعْصُومٍ، لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا، وَلَا وُجِدَ مِنْهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، كَغَيْرِهَا
قَالُوا: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى؛ لِمَا رَوَى عِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ عَلَيْهَا ذَا عَدْلٍ، وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ، فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرْدُدْهَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. قَالُوا: وَمَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، إنَّمَا يَتَمَلَّكُهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ
وَأَنْكَرَهُ الْخَلَّالُ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مَذْهَبًا لِأَحْمَدْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute