وَلَنَا، أَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا فِي الدَّعْوَى، فَلَمْ تَثْبُتْ الْقَسَامَةُ، كَمَا لَوْ كَذَّبَهُ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، إنَّمَا يَثْبُتُ بِأَيْمَانِهِمَا الَّتِي أُقِيمَتْ مُقَامَ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ فِي الْأَيْمَانِ، كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى. فَعَلَى هَذَا، إنْ قَدِمَ الْغَائِبُ، فَوَافَقَ أَخَاهُ، أَوْ عَادَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُهُ، هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخِي. أَقْسَمَا حِينَئِذٍ.
وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ هَذَا. وَقَالَ الْآخَرُ: قَتَلَهُ هَذَا وَفُلَانٌ. فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، لَا تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ. وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ، يَحْلِفَانِ عَلَى مَنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَيَسْتَحِقَّانِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَلَا يَجِبُ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ، وَيَحْلِفَانِ جَمِيعًا عَلَى هَذَا الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى حَسَبِ دَعْوَاهُمَا، وَيَسْتَحِقَّانِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُكَذِّبُ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ، فَبَقِيَ اللَّوْثُ فِي حَقِّهِ فِي نِصْفِ الدَّمِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي النِّصْفِ الَّذِي كَذَّبَهُ أَخُوهُ فِيهِ، وَلَا يَحْلِفُ الْآخَرُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ أَخَاهُ كَذَّبَهُ فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَ أَبِي زَيْدٌ وَآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ. وَقَالَ الْآخَرُ: قَتَلَهُ عَمْرٌو وَآخَرُ لَا أَعْرِفُهُ. لَمْ تَثْبُتْ الْقَسَامَةُ، فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ، وَلِأَنَّهُمَا مَا اتَّفَقَا فِي الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْلِفَا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّفِقَا فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَالْحَقُّ إنَّمَا ثَبَتَ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ بِأَيْمَانِ الْجَمِيعِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ بِأَيْمَانِ الْبَعْضِ؟ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي: تَثْبُتُ الْقَسَامَةُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا تَكْذِيبٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي جَهِلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، هُوَ الَّذِي عَرَفَهُ أَخُوهُ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الَّذِي عَيَّنَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَسْتَحِقُّ رُبْعَ الدِّيَةِ، فَإِنْ عَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْت الَّذِي جَهِلَهُ، وَهُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخِي.
حَلَفَ أَيْضًا عَلَى الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ أَخُوهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ رُبْعَ الدِّيَةِ، وَيَحْلِفُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَيْمَانِ أَخِيهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، كَمَا لَوْ عَرَفَهُ ابْتِدَاءً. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ أَخَاهُ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَلِلشَّافِعِيِّ فِي هَذَا قَوْلَانِ كَالْوَجْهَيْنِ. وَيَجِيءُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَحْلِفُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّهُ النِّصْفُ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْأَيْمَانِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَخُوهُ مَعَهُ. وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: الَّذِي كُنْت جَهِلْتُهُ غَيْرُ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخِي. بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ الَّتِي أَقْسَمَاهَا؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ يَقْدَحُ فِي اللَّوْثِ؛ فَيَرُدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَخَذَ مِنْ الدِّيَةِ. وَإِنْ كَذَّبَ أَحَدُهُمَا أَخَاهُ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْآخَرُ، بَطَلَتْ قَسَامَةُ الْمُكَذَّبِ دُونَ الَّذِي لَمْ يُكَذَّبْ.
[فَصْل قَالَ الْوَلِيّ بَعْدَ الْقَسَامَة غَلِطَتْ مَا هَذَا الَّذِي قَتَلَهُ]
(٧٠١٩) فَصْلٌ: إنْ قَالَ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْقَسَامَةِ: غَلِطْت، مَا هَذَا الَّذِي قَتَلَهُ. أَوْ: ظَلَمْتُهُ بِدَعْوَايَ الْقَتْلَ عَلَيْهِ. أَوْ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute