الشَّمَّ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يُخْتَلَفُ فِي أَنَّ لِسَانَ الْأَخْرَسِ لَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عَلَى أَنَّ فِيهِ ثُلُثَ الدِّيَةِ. وَلَوْ وَجَبَ فِي الذَّوْقِ دِيَةٌ، لَوَجَبَتْ فِي ذَهَابِهِ مَعَ ذَهَابِ اللِّسَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا نَصَّ لَهُ فِيهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةً، وَإِنْ ذَهَبَ الذَّوْقُ بِذَهَابِهِ. وَالصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ لِسَانَ الْأَخْرَسِ لَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ فِيهِ؛ إجْمَاعًا عَلَى أَنَّهَا لَا تَكْمُلُ فِي ذَهَابِ الذَّوْقِ بِمُفْرَدِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ فِيهِ بِمَنْفَعَتِهِ، لَا تَكْمُلُ بِمَنْفَعَتِهِ دُونَهُ، كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
فَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِذَا ذَهَبَ ذَوْقُهُ كُلُّهُ، فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ نَقَصَ نَقْصًا غَيْرَ مُقَدَّرٍ، بِأَنْ يُحِسَّ الْمَذَاقَ كُلَّهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ عَلَى الْكَمَالِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، كَمَا لَوْ نَقَصَ بَصَرُهُ نَقْصًا لَا يَتَقَدَّرُ، وَإِنْ كَانَ نَقْصًا يَتَقَدَّرُ، بِأَنْ لَا يُدْرَكَ بِأَحَدِ الْمَذَاقِ الْخَمْسِ، وَهِيَ: الْحَلَاوَةُ، وَالْمَرَارَةُ، وَالْحُمُوضَةُ، وَالْمُلُوحَةُ، وَالْعُذُوبَةُ، وَيُدْرَكَ بِالْبَاقِي، فَفِيهِ خُمْسُ الدِّيَةِ، وَفِي اثْنَتَيْنِ خُمُسَاهَا، وَفِي ثَلَاثٍ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا. وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ بِوَاحِدَةٍ، وَنَقَصَ الْبَاقِي، فَعَلَيْهِ خُمْسُ الدِّيَةِ، وَحُكُومَةٌ لِنَقْصِ الْبَاقِي. وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَ أَخْرَسَ، فَذَهَبَ ذَوْقُهُ، فَفِيهِ الدِّيَةُ؛ لِإِتْلَافِهِ الذَّوْقَ.
وَإِنْ جَنَى عَلَى لِسَانِ نَاطِقٍ، فَأَذْهَبْ كَلَامَهُ وَذَوْقَهُ، فَفِيهِ دِيَتَانِ. وَإِنْ قَطَعَهُ، فَذَهَبَا مَعًا، فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَذْهَبَانِ تَبَعًا لِذَهَابِهِ فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ دُونَ دِيَتِهِمَا، كَمَا لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا، لَمْ تَجِبْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَلَوْ ذَهَبَتْ مَنَافِعُهُ مَعَ بَقَائِهِ، فَفِي كُلِّ مَنْفَعَةٍ دِيَةٌ.
[فَصْلٌ جَنَى عَلَيْهِ فَذَهَبَ بَعْض كَلَامه]
(٦٩٢٦) فَصْلٌ: وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ الْكَلَامِ، وَجَبَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ، يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا سِوَى " لَا "، فَإِنَّ مَخْرَجَهَا مَخْرَجُ اللَّازِمِ وَالْأَلِفِ، فَمَهْمَا نَقَصَ مِنْ الْحُرُوف، وَجَبَ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتِمُّ بِجَمِيعِهَا، فَالذَّاهِبُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ مِنْ الدِّيَةِ كَقَدْرِهِ مِنْ الْكَلَامِ، فَفِي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ رُبْعُ سُبْعِ الدِّيَةِ، وَفِي الْحَرْفَيْنِ نِصْفُ سُبْعِهَا، وَفِي الْأَرْبَعَةِ سُبْعُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا خَفَّ مِنْ الْحُرُوفِ عَلَى اللِّسَانِ وَمَا ثَقُلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْمُقَدَّرُ لَمْ يُخْتَلَفْ لِاخْتِلَافِ قَدْرِهِ، كَالْأَصَابِعِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقَسَّمَ الدِّيَةُ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي لِلِّسَانِ فِيهَا عَمَلٌ، وَدُونَ الشَّفَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ؛ الْبَاءُ، وَالْمِيمُ، وَالْفَاءُ، وَالْوَاوُ. وَدُونَ حُرُوفِ الْحَلْقِ السِّتَّةِ؛ الْهَمْزَةِ، وَالْهَاءِ، وَالْحَاءِ، وَالْخَاءِ، وَالْعَيْنِ، وَالْغَيْنِ. فَهَذِهِ عَشْرَةٌ، بَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا لِلِّسَانِ، تَنْقَسِمُ دِيَتُهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِقَطْعِ اللِّسَانِ، وَذَهَابِ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَحْدَهَا مَعَ بَقَائِهِ، فَإِذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِيهَا بِمُفْرَدِهَا، وَجَبَ فِي بَعْضِهَا بِقِسْطِهِ مِنْهَا، فَفِي الْوَاحِدِ نِصْفُ تُسْعِ الدِّيَةِ، وَفِي الِاثْنَيْنِ تُسْعُهَا، وَفِي الثَّلَاثَة سُدُسُهَا. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ جَنَى عَلَى شَفَتِهِ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْحُرُوفِ، وَجَبَ فِيهِ بِقَدْرِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ ذَهَبَ بَعْضُ حُرُوفِ الْحَلْقِ بِجِنَايَتِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ ذَهَبَ حَرْفٌ فَعَجَزَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute