للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢١٥٠)

فَصْلٌ: إذَا قُلْنَا: إنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ. لَمْ يَصِحَّ اعْتِكَافُ لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلَا بَعْضِ يَوْمٍ؛ وَلَا لَيْلَةٍ وَبَعْضِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْمُشْتَرَطَ لَا يَصِحُّ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ، إذَا صَامَ الْيَوْمَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْمَشْرُوطَ وُجِدَ فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ، وَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ فِي زَمَنِ الشَّرْطِ كُلِّهِ.

[مَسْأَلَة لَا يَجُوز الِاعْتِكَاف إلَّا فِي مَسْجِد يَجْمَع فِيهِ]

(٢١٥١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ) يَعْنِي تُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ. وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ، وَاعْتِكَافُ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ يُفْضِي إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ، وَإِمَّا خُرُوجُهُ إلَيْهَا، فَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ كَثِيرًا مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ، إذْ هُوَ لُزُومُ الْمُعْتَكَفِ وَالْإِقَامَةُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِيهِ. وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ إذَا كَانَ الْمُعْتَكِفُ رَجُلًا.

لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] . فَخَصَّهَا بِذَلِكَ، وَلَوْ صَحَّ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِهَا، لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ فِيهَا؛ فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُدْخِلَ عَلَيَّ رَأْسَهُ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةٍ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا.» وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ، فِي حَدِيثٍ: «وَأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ» . فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَى أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ. وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَعَائِشَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا. وَاعْتَكَفَ أَبُو قِلَابَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِمَا.

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ يَتَخَلَّلُهُ جُمُعَةٌ، لِئَلَّا يَلْتَزِمَ الْخُرُوجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ، لِمَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدِ نَبِيٍّ. وَحُكِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: دَخَلَ حُذَيْفَةُ مَسْجِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>