وَلَا يَضُرُّهُ. وَإِنْ قَالَ: أَسْقَطْت الْأَرْشَ. أَوْ: أَبْرَأْت مِنْهُ. لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ، فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ غَيْرِهِ
وَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَسْقُطُ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَقِّهِ، فَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ غَيْرِهِ سَقَطَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَسْقَطْت حَقِّي وَحَقَّ الرَّاهِنِ. وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ لَا يَصِحُّ. فَلَمْ يَصِحَّ مَا تَضَمَّنَهُ.
[فَصْلٌ أَقَرَّ رَجُلٌ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ فَكَذَّبَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ]
(٣٣٥٣) فَصْلٌ: وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ، فَكَذَّبَاهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُمَا. وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَصَدَّقَهُ الرَّاهِنُ، فَلَهُ الْأَرْشُ، وَلَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ وَحْدَهُ، تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْأَرْشِ، وَلَهُ قَبْضُهُ. فَإِذَا قَضَى الرَّاهِنُ الْحَقَّ، أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ، رَجَعَ الْأَرْشُ إلَى الْجَانِي، وَلَا شَيْءَ لِلرَّاهِنِ فِيهِ. وَإِنْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الْأَرْشِ، لَمْ يَمْلِكْ الْجَانِي مُطَالَبَةَ الرَّاهِنِ بِشَيْءِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ.
[فَصْلٌ كَانَ الرَّهْنُ أَمَةً حَامِلًا فَضَرَبَ بَطْنَهَا أَجْنَبِيٌّ]
(٣٣٥٤) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَمَةً حَامِلًا، فَضَرَبَ بَطْنَهَا أَجْنَبِيٌّ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ. وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ لِوَقْتِ يَعِيشُ مِثْلُهُ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ. وَلَا يَجِبُ ضَمَانُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ نَقْصُهَا عَمَّا وَجَبَ ضَمَانُهُ مِنْ وَلَدِهَا. وَيَحْتَمِلَ أَنْ يَضْمَنَ نَقْصَهَا بِالْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ حُصِلَ بِفِعْلِهِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَهَا ثُمَّ جَنَى عَلَيْهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ؛ مِنْ نَقْصِهَا، أَوْ ضَمَانِ جَنِينِهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ ضَمَانِهَا وُجِدَ، فَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعْ ضَمَانُهُمَا، وَجَبَ ضَمَانُ أَكْثَرِهِمَا. وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ بَهِيمَةٍ، فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا مَيِّتًا، فَفِيهِ مَا نَقَصَتْهَا الْجِنَايَةُ لَا غَيْرُ، وَمَا وَجَبَ مِنْ ذَلِكَ كُلّه فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ الْأُمِّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا وَجَبَ لِنَقْصِ الْأُمِّ، أَوْ لِنَقْصِ الْبَهِيمَةِ، فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهَا، وَكَذَلِكَ مَا وَجَبَ فِي وَلَدِهَا، وَمَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ؛ لِأَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ لَيْسَ بِرَهْنٍ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا ضَمَانٌ يَجِبُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّهْنِ، فَكَانَ مِنْ الرَّهْنِ، كَالْوَاجِبِ لِنَقْصِ الْوِلَادَةِ وَضَمَانِ وَلَدِ الْبَهِيمَةِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ بِالثَّمَنِ]
(٣٣٥٥) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةً، عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ يَعْرِفَانِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ بِالثَّمَنِ حَمِيلًا يَعْرِفَانِهِ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ. فَإِنْ أَبَى تَسْلِيمَ الرَّهْنِ، أَوْ أَبَى الْحَمِيلُ أَنْ يَتَحَمَّلَ، فَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَفِي إقَامَتِهِ بِلَا رَهْنٍ وَلَا حَمِيلٍ الْحَمِيلُ: الضَّمِينُ. وَهُوَ فَعِيلَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، يُقَالُ: ضَمِينٌ، وَحَمِيلٌ، وَقَبِيلٌ، وَكَفِيلٌ، وَزَعِيمٌ، وَصَبِيرٌ، بِمَعْنَى وَاحِدٍ.
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الرَّهْنِ أَوْ الضَّمِينِ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، غَيْرُ مُنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ، وَلَا نَعْلَمُ فِي صِحَّتِهِ خِلَافًا إذَا كَانَ مَعْلُومًا، وَلِذَلِكَ قَالَ الْخِرَقِيِّ يَعْرِفَانِهِ فِي الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ مَعًا
وَمَعْرِفَةُ الرَّهْنِ تَحْصُلُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ؛ الْمُشَاهَدَةُ، أَوْ الصِّفَةُ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا الْمَوْصُوفُ،