وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ وَصِيَّةٌ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَنْتَفِعُ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَتُسْتَوْفَى دُيُونُهُ مِنْهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ وَصَّى لِأَجْنَبِيٍّ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِمَنْ عَادَتُهُ الْإِحْسَانُ إلَى وَارِثِهِ. وَإِنْ وَصَّى لِوَلَدِ وَارِثِهِ، صَحَّ، فَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ بِذَلِكَ نَفْعَ الْوَارِثِ، لَمْ يَجُزْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ طَاوُسٌ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: ١٨٢] قَالَ: أَنْ يُوصِيَ لِوَلَدِ ابْنَتِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ ابْنَتَهُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجَنَفُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِضْرَارُ فِيهَا مِنْ الْكَبَائِرِ.
[فَصْلٌ وَصَّى لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ]
فَصْلٌ (٤٥٩٧) : وَإِنْ وَصَّى لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ، كَرَجُلٍ خَلَّفَ ابْنًا وَبِنْتًا، وَعَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَجَارِيَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ، فَوَصَّى لِابْنِهِ بِعَبْدِهِ، وَلِابْنَتِهِ بِأَمَتِهِ، احْتَمَلَ أَنْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَاوَضَ الْمَرِيضُ بَعْضَ وَرَثَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيًّا بِجَمِيعِ مَالِهِ، صَحَّ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ عَيْنِ الْمَالِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ تَقِفَ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَعْيَانِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَكَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّ الْوَارِثِ فِي قَدْرِ حَقِّهِ، لَا يَجُوزُ مِنْ عَيْنِهِ.
[فَصْل مَلَكَ الْمَرِيضُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ]
(٤٥٩٨) فَصْلٌ: وَإِذَا مَلَكَ الْمَرِيضُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، عَتَقَ وَوَرِثَ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَحَكَاهُ الْخَبْرِيُّ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ فِي أَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ، أَنَّهُ يَعْتِقُ وَيَرِثُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ حَمَّلَهُ الثُّلُثَ، عَتَقَ وَوَرِثَ، وَإِلَّا سَعَى فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَرِثْ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَمْلِكَهُ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُف، وَمُحَمَّدٌ: يُحْتَسَبُ مِيرَاثُهُمْ مِنْ قِيمَتِهِمْ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ، وَإِنْ فَضَلَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ سَعَوْا فِيهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَضَعْ فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا تَعَاطَى سَبَبَ مِلْكِهِمْ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَسْتَقِرَّ، وَزَالَ بِغَيْرِ إزَالَتِهِ، فَلَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ مِنْ ثُلُثِهِ، كَمَا لَوْ اتَّهَبَ شَيْئًا فَرَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فِيهِ غِبْطَةٌ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَفَسَخَ الْبَائِعُ، أَوْ وَجَدَ بِالثَّمَنِ عَيْبًا فَفَسَخَ الْبَيْعَ، أَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَإِذَا لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ تُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الثُّلُثِ، لَمْ يُمْنَعْ الْمِيرَاثُ، كَمَا لَوْ مَلَكِهِ بِالْمِيرَاثِ عِنْدَ مَنْ سَلَّمَهُ، أَوْ كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ، كَالشِّرَاءِ، فَحَكَى الْخَبْرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَعْتِقُ وَيَرِثُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي، فِي " الْمُجَرَّدِ ": إنْ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ، وَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، عَتَقَ وَوَرِثَ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ الْخَبْرِيُّ: وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَحَكَى غَيْرَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يَمْلِكَهُ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَلَا يَرِثُ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute