فِيهِ بِالدُّفِّ، حَتَّى يَشْتَهِرَ وَيُعْرَفَ. وَقِيلَ لَهُ: مَا الدُّفُّ؟ قَالَ: هَذَا الدُّفُّ. قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْغَزَلِ فِي الْعُرْسِ بِمِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: «أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ، فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ، لَوْلَا الذَّهَبُ الْأَحْمَرُ مَا حَلَّتْ بِوَادِيكُمْ، وَلَوْلَا الْحِنْطَةُ السَّوْدَاءُ مَا سُرَّتْ عَذَارِيكُمْ.» لَا عَلَى مَا يَصْنَعُ النَّاسُ الْيَوْمَ.
وَمِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ: «وَلَوْلَا الْحِنْطَةُ الْحَمْرَاءُ، مَا سَمِنَتْ عَذَارِيكُمْ» . وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: يُسْتَحَبُّ ضَرْبُ الدُّفِّ، وَالصَّوْتُ فِي الْإِمْلَاكِ. فَقِيلَ لَهُ: مَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ وَيَتَحَدَّثُ وَيُظْهَرُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالصَّوْتُ وَالدُّفُّ فِي النِّكَاحِ.» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» وَفِي لَفْظٍ: «أَظْهِرُوا النِّكَاحَ.» وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ، وَفِي لَفْظٍ: «وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» . وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا زَوَّجَتْ يَتِيمَةً رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ فِي مَنْ أَهْدَاهَا إلَى زَوْجِهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعْنَا قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَا قُلْتُمْ يَا عَائِشَةُ؟ ". قَالَتْ: سَلَّمْنَا، وَدَعَوْنَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا. فَقَالَ: " إنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ، أَلَا قُلْتُمْ يَا عَائِشَةُ: «أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ، فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ.» رَوَى هَذَا كُلَّهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاجَهْ، فِي " سُنَنِهِ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا بَأْسَ بِالدُّفِّ فِي الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ، وَأَكْرَهُ الطَّبْلَ، وَهُوَ الْمُنْكَرُ، وَهُوَ الْكُوبَةُ، الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[فَصْلٌ نِكَاحُ السِّرِّ]
(٥٣٠٢) فَصْلٌ: فَإِنْ عَقَدَهُ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ، فَأَسَرُّوهُ، أَوْ تَوَاصَوْا بِكِتْمَانِهِ، كُرِهَ ذَلِكَ، وَصَحَّ النِّكَاحُ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ كَرِهَ نِكَاحَ السِّرِّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُرْوَةُ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ النِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ: لَا، حَتَّى يُعْلِنَهُ.
وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْحُجَّةُ لَهُمَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute