[مَسْأَلَةٌ إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْمَيِّت نَجَاسَة بَعْد السَّبْع لَمْ يَعُدْ إلَى الْغُسْل]
(١٥١٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ زَادَ حَشَاهُ بِالْقُطْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَبِالطِّينِ الْحُرِّ) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ بَعْدَ السَّبْعِ لَمْ يَعْدُ إلَى الْغُسْلِ. قَالَ أَحْمَدُ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا لَمْ يُغَسِّلْهُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ، لَا يُجَاوِزُهُ، خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ. قِيلَ لَهُ: فَنُوَضِّئُهُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ السَّبْعِ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا أَمَرَ، ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الْغُسْلِ وَتَكْرِيرَهُ عِنْدَ كُلِّ خَارِجٍ يُرْخِيهِ، وَيُفْضِي إلَى الْحَرَجِ، لَكِنَّهُ يَغْسِلُ النَّجَاسَةَ، وَيَحْشُو مَخْرَجَهَا بِالْقُطْنِ.
وَقِيلَ: يُلَجِّمُ بِالْقُطْنِ كَمَا تَفْعَلُ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، فَإِنْ لَمْ يُمْسِكْهُ ذَلِكَ حُشِيَ بِالطِّينِ الْحُرِّ، وَهُوَ الْخَالِصُ الصُّلْبِ الَّذِي لَهُ قُوَّةٌ تُمْسِكُ الْمَحَلَّ. وَقَدْ ذَكَرَ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يُوَضَّأُ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ، كَالْجُنُبِ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ.
[فَصْلٌ الْحَائِض وَالْجَنْب إذَا مَاتَا كَغَيْرِهِمَا فِي الْغُسْل]
(١٥١٤) فَصْلٌ: وَالْحَائِضُ وَالْجُنُبُ إذَا مَاتَا كَغَيْرِهِمَا فِي الْغُسْلِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا قَوْلُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: مَا مَاتَ مَيِّتٌ إلَّا جُنُبٌ.
وَقِيلَ عَنْ الْحَسَنِ: إنَّهُ يُغَسَّلُ الْجُنُبُ لِلْجَنَابَةِ، وَالْحَائِضُ لِلْحَيْضِ، ثُمَّ يُغَسَّلَانِ لِلْمَوْتِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِمَا عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا الْغُسْلُ لِلْمَيِّتِ تَعَبُّدٌ، وَلِيَكُونَ فِي حَالِ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى أَكْمَلِ حَالٍ مِنْ النَّظَافَةِ وَالنَّضَارَةِ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الْغُسْلَ الْوَاحِدَ يُجْزِئُ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ مُوجِبَانِ لَهُ، كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ.
[فَصْلٌ الْوَاجِب فِي غَسَلَ الْمَيِّت]
(١٥١٥) فَصْلٌ: وَالْوَاجِبُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ النِّيَّةُ، وَالتَّسْمِيَةُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَغَسْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ غُسْلُ تَعَبُّدٍ عَنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَوَجَبَ ذَلِكَ فِيهِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَقَدْ شَبَّهَ أَحْمَدُ غُسْلَهُ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَلَمَّا تَعَذَّرَتْ النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ مِنْ الْمَيِّتِ اُعْتُبِرَتْ فِي الْغَاسِلِ، لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِالْغُسْلِ. قَالَ عَطَاءٌ يُجْزِئُهُ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ أَنْقَوْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُغَسَّلَ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا» .
وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ دُونَ الْإِجْزَاءِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» . وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ، لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْظِيفُ، فَأَشْبَهَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ غَسْلُ مُتَنَظِّفٍ، وَلَجَازَ غَسْلُهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَسَائِرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّنْظِيفُ، وَإِنَّمَا هُوَ غُسْلُ تَعَبُّدٍ، أَشْبَهَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute