- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ: «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» . حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهُ يَتَعَرَّضُ بِذَلِكَ لِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى حَلْقِهِ، فَإِنْ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ. فَقَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُعِيدَ الصَّوْمَ. وَهَلْ يُفْطِرُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، يُفْطِرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُبَالَغَةِ حِفْظًا لِلصَّوْمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ وَصَلَ بِفِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ التَّعَمُّدَ.
وَالثَّانِي، لَا يُفْطِرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَأَشْبَهَ غُبَارَ الدَّقِيقِ إذَا نَخَلَهُ. فَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ لِغَيْرِ الطَّهَارَةِ؛ فَإِنْ كَانَتْ لِحَاجَةٍ، كَغَسْلِ فَمِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَنَحْوِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَضْمَضَةِ لِلطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبَثًا، أَوْ تَمَضْمَضَ مِنْ أَجْلِ الْعَطَشِ، كُرِهَ. وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الصَّائِمِ يَعْطَشُ فَيَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَمُجُّهُ. قَالَ: يَرُشُّ عَلَى صَدْرِهِ أَحَبُّ إلَيَّ. فَإِنْ فَعَلَ، فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ، أَوْ تَرَكَ الْمَاءَ فِي فِيهِ عَابِثًا، أَوْ لِلتَّبَرُّدِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْعَطَشِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعَرْجِ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ، أَوْ مِنْ الْحَرِّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
[فَصْلُ لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الصَّائِمُ]
(٢٠٢٦) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الصَّائِمُ؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، «قَالَتَا: نَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، ثُمَّ يَصُومُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ، بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ الْحَمَّامَ، وَهُوَ صَائِمٌ هُوَ وَأَصْحَابٌ لَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. فَأَمَّا الْغَوْصُ فِي الْمَاءِ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي الصَّائِمِ يَنْغَمِسُ فِي الْمَاءِ: إذَا لَمْ يَخَفْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مَسَامِعِهِ. وَكَرِهَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ أَنْ يَنْغَمِسَ فِي الْمَاءِ، خَوْفًا أَنْ يَدْخُلَ فِي مَسَامِعِهِ، فَإِنْ دَخَلَ فِي مَسَامِعِهِ، فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ مِنْ الْغُسْلِ الْمَشْرُوعِ، مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا قَصْدٍ، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ دَخَلَ إلَى حَلْقِهِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ، أَوْ أَسْرَفَ، أَوْ كَانَ عَابِثًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الدَّاخِلِ إلَى الْحَلْقِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute