للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .

وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ رِقٌّ، وَلَا عَلَى آبَائِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، كَالْمَعْرُوفِ نَسَبُهُ، وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ ابْنَ حُرَّيْنِ، فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنَ مُعْتَقَيْنِ، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِغَيْرِ مُعْتِقِهِمَا. وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ لَا يَثْبُتُ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَخَبَرُ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَبُو جَمِيلَةَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لَا تَقُومُ بِحَدِيثِهِ حُجَّةٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنَى بِقَوْلِهِ: وَلَك وَلَاؤُهُ. أَيْ لَك وِلَايَتُهُ، وَالْقِيَامُ بِهِ وَحِفْظُهُ. لِذَلِكَ ذَكَرَهُ عَقِيبَ قَوْلِ عَرِيفِهِ: إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. وَهَذَا يَقْتَضِي تَفْوِيضَ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ، لِكَوْنِهِ مَأْمُونًا عَلَيْهِ دُونَ الْمِيرَاثِ

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ حُكْمَ اللَّقِيطِ فِي الْمِيرَاثِ حُكْمُ مِنْ عُرِفَ نَسَبُهُ، وَانْقَرَضَ أَهْلُهُ، يُدْفَعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ. فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ فَلَهَا الرُّبْعُ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ، فَلَهُ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ، أَوْ ذُو رَحِمٍ، كَبِنْتِ بِنْتٍ، أَخَذَتْ جَمِيعَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَذَا الرَّحِمِ مُقَدَّمٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة لَمْ يَكُنْ مَنْ وَجَدَ اللَّقِيطَ أَمِينًا]

مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ وَجَدَ اللَّقِيطَ أَمِينًا، مُنِعَ مِنْ السَّفَرِ بِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إنْ كَانَ أَمِينًا أُقِرَّ اللَّقِيطُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقَرَّ اللَّقِيطَ فِي يَدِ أَبِي جَمِيلَةَ، حِينَ قَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. وَلِأَنَّهُ سَبَقَ إلَيْهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . وَهَلْ يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ، كَمَا لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ فِي اللُّقَطَةِ

وَالثَّانِي يَجِبُ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْإِشْهَادِ حِفْظُ النَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ، فَاخْتُصَّ بِوُجُوبِ الشَّهَادَةِ، كَالنِّكَاحِ، وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا حِفْظُ الْمَالِ، فَلَمْ يَجِبْ الْإِشْهَادُ فِيهَا، كَالْبَيْعِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُقَرُّ فِي يَدَيْهِ، وَيُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ بِهِ، لِئَلَّا يَدَّعِيَ رِقَّهُ وَيَبِيعَهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، وَيُضَمَّ إلَيْهِ مَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّنَا إذَا ضَمَمْنَا إلَيْهِ فِي اللُّقَطَةِ مَنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ يَدَيْهِ.

وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حِفْظِ اللَّقِيطِ إلَّا الْوِلَايَةُ، وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ. وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ فِي اللُّقَطَةِ مَعْنَى الْكَسْبِ، وَلَيْسَ هَا هُنَا إلَّا الْوِلَايَةُ. وَالثَّانِي أَنَّ اللُّقَطَةَ لَوْ انْتَزَعْنَاهَا مِنْهُ رَدَدْنَاهَا إلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، فَاحْتَطْنَا عَلَيْهَا مَعَ بَقَائِهَا فِي يَدَيْهِ، وَهَا هُنَا لَا تُرَدُّ إلَيْهِ بَعْدَ الِانْتِزَاعِ مِنْهُ بِحَالٍ، فَكَانَ الِانْتِزَاعُ أَحْوَطَ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ حِفْظُ الْمَالِ، وَيُمْكِنُ الِاحْتِيَاطُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَسْتَظْهِرَ عَلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>