للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الظُّرُوفُ، فَإِنْ دَخَلَتْ فِي الْوَزْنِ، لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا، وَإِنْ لَمْ تُوزَنْ، فَإِنْ كَانَتْ ظُرُوفًا مَعْرُوفَةً، لَا تَخْتَلِفُ، كَغَرَائِر الصُّوفِ وَالشَّعْرِ وَنَحْوِهَا، جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ؛ لِأَنَّهَا قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَتَسْمِيَتُهَا تَكْفِي، وَإِنْ كَانَتْ تَخْتَلِفُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا بِالتَّعْيِينِ أَوْ الصِّفَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ، أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَكْرَيْتُكَهَا لِتَحْمِلَ عَلَيْهَا ثَلَاثَمِائَةِ رِطْلٍ مِمَّا شِئْت

جَازَ، وَمَلَكَ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُحَمِّلُهُ حِمْلًا يَضُرُّ بِالْحَيَوَانِ، مِثْلَ مَا لَوْ أَرَادَ حَمْلَ حَدِيدٍ أَوْ زِئْبَقٍ، يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَوَانِ، فَلَا يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهِ، وَلَا يَجْعَلُهُ فِي وِعَاءٍ يَتَمَوَّجُ فِيهِ، فَيَكُدُّ الْبَهِيمَةَ وَيُتْعِبُهَا. وَإِنْ اكْتَرَى ظَهْرًا لِلْحَمْلِ مَوْصُوفًا بِجِنْسٍ، فَأَرَادَ حَمْلَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَكَانَ الطَّالِبُ لِذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرَ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِمَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَلَبَهُ الْمُؤَجِّرُ، وَكَانَ يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ الِاسْتِعْجَالَ فِي السَّيْرِ، أَوْ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْ الْقَافِلَةِ، فَيَتَعَيَّنُ الْخَيْلُ أَوْ الْبِغَالُ، أَوْ يَكُونَ غَرَضُهُ سُكُونَ الْحُمُولَةِ لِكَوْنِ الْحُمُولَةِ مِمَّا يَضُرُّهَا الْهَزُّ، أَوْ قُوَّتَهَا وَصَبْرَهَا لِطُولِ الطَّرِيقِ وَثِقْلِ الْحُمُولَةِ فَيُعَيِّنُ الْإِبِلَ، لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ غَرَضَ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، كَمَا فِي الْمَرْكُوبِ

وَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ غَرَضًا، جَازَ، كَمَا يَجُوزُ لِمَنْ اكْتَرَى عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ حَمْلَ مِثْلِهِ، أَوْ أَقَلَّ ضَرَرًا مِنْهُ.

[فَصْلٌ كِرَاءٍ الدَّابَّةِ لِلْعَمَلِ]

(٤٢٧٢) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ كِرَاءُ الدَّابَّةِ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، خُلِقَتْ الدَّابَّةُ لَهَا، فَجَازَ الْكِرَاءُ لَهَا، كَالرُّكُوبِ.

وَإِنْ اكْتَرَى بَقَرًا لِلْحَرْثِ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ خُلِقَتْ لِلْحَرْثِ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً، أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَهَا، فَقَالَتْ: إنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، إنَّمَا خُلِقْت لِلْحَرْثِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيَحْتَاجُ إلَى شَرْطَيْنِ: مَعْرِفَةِ الْأَرْضِ، وَتَقْدِيرِ الْعَمَلِ، فَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ، فَتَكُونُ صُلْبَةً تُتْعِبُ الْبَقَرَ وَالْحَرَّاثَ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا حِجَارَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالسِّكَّةِ، وَتَكُونُ رَخْوَةً سَهْلَةً يَسْهُلُ حَرْثُهَا، وَلَا تَأْتِي الصِّفَةُ عَلَيْهَا، فَيُحْتَاجُ إلَى رُؤْيَتِهَا.

وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْعَمَلِ، فَيَجُوزُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ؛ إمَّا بِالْمُدَّةِ، كَيَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ، وَإِمَّا الْأَرْضِ، كَهَذِهِ الْقِطْعَةِ، أَوْ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ إلَى هَذَا الْمَكَانِ، أَوْ بِالْمِسَاحَةِ، كَمَدًى أَوْ مَدَيَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِهِ. فَإِنْ قَدَّرَهُ بِالْمُدَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْبَقَرِ الَّتِي يَعْمَلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْبَقَرَ مُفْرَدَةً لِيَتَوَلَّى رَبُّ الْأَرْضِ الْحَرْثَ بِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا مَعَ صَاحِبِهَا لِيَتَوَلَّى الْحَرْثَ بِهَا. وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا بِآلَتِهَا مِنْ الْفَدَّانِ وَالنَّيِّرِ، وَاسْتِئْجَارُهَا بِدُونِ آلَتِهَا، وَتَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>