لَا يُدْرَى أَقَتْلٌ هُوَ أَمْ لَيْسَ بِقَتْلٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْتَظَرَ لِيُعْلَمَ مَا حُكْمُهُ؟ فَأَمَّا حَدِيثُهُمْ، فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي سِيَاقِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَرَجْت. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَدْ نَهَيْتُك فَعَصَيْتنِي، فَأَبْعَدَك اللَّهُ، وَبَطَلَ عَرَجُك ". ثُمَّ نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ. وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الِاقْتِصَاصِ، فَتَكُونُ نَاسِخَةً لَهُ. وَفِي نَفْسِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِقَادَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ مَعْصِيَةٌ؛ لِقَوْلِهِ: " قَدْ نَهَيْتُك فَعَصَيْتنِي ". وَمَا ذَكَرُوهُ مَمْنُوعٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ.
[فَصْلٌ اقْتَصَّ قَبْلَ انْدِمَالِ الْجُرْحِ]
(٦٧٢٥) فَصْلٌ: فَإِنْ اقْتَصَّ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، هُدِرَتْ سِرَايَةُ الْجِنَايَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: بَلْ هِيَ مَضْمُونَةٌ؛ لِأَنَّهَا سِرَايَةُ جِنَايَةٍ، فَكَانَتْ مَضْمُونَةً، كَمَا لَوْ لَمْ يُقْتَصَّ. وَلَنَا، الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ، وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِعْجَالُهُ، فَبَطَلَ حَقُّهُ، كَقَاتِلِ مَوْرُوثِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ لَمْ يَقْتَصَّ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ سَرَى الْقَطْعَانِ جَمِيعًا، فَمَاتَ الْجَانِي وَالْمُسْتَوْفِي، فَهُمَا هَدْرٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ ضَمَانُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّ سِرَايَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونَةٌ، ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ فَيَسْقُطَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا، ثُمَّ مَاتَ الْجَانِي، كَانَ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعِ، فَقَدْ مَاتَ بِفِعْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي، فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ، يَكُونُ مَوْتُ الْجَانِي هَدْرًا، وَلِوَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ. فَأَمَّا إنْ سَرَى أَحَدُ الْقَطْعَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ، فَعِنْدَنَا هُوَ هَدْرٌ، لَا ضَمَانَ فِيهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، يَجِبُ ضَمَانُ سِرَايَتِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، إنْ سَرَتْ الْجِنَايَةُ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ، وَإِنْ سَرَى الِاسْتِيفَاءُ، لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ. وَمَبْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ.
[فَصْلٌ انْدَمَلَ جُرْحُ الْجِنَايَةِ فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ انْتَقَضَ فَسَرَى]
(٦٧٢٦) فَصْلٌ: وَإِنْ انْدَمَلَ جُرْحُ الْجِنَايَةِ، فَاقْتُصَّ مِنْهُ، ثُمَّ انْتَقَضَ فَسَرَى، فَسِرَايَتُهُ مَضْمُونَةٌ، وَسِرَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَّ بَعْدَ جَوَازِ الِاقْتِصَاصِ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، فَبَرَأَ، فَاقْتُصَّ، ثُمَّ انْتَقَضَ جُرْحُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَمَاتَ، فَلِوَلِيِّهِ قَتْلُ الْجَانِي، لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ عَفَا إلَى الدِّيَةِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بِالْقَطْعِ مَا قِيمَتُهُ دِيَةٌ، وَهُوَ يَدَاهُ، وَإِنْ سَرَى الِاسْتِيفَاءُ، لَمْ يَجِبْ أَيْضًا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِمَوْتِهِ، وَالدِّيَةُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ بِالْجِنَايَةِ يَدًا، فَوَلِيُّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَبَيْنَ الْعَفْوِ إلَى نِصْفِ الدِّيَةِ، وَمَتَى سَقَطَ الْقِصَاصُ بِمَوْتِ الْجَانِي أَوْ غَيْرِهِ، وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي، أَوْ مَالِهِ إنْ كَانَ حَيًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute