للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَلْزَمُهُ، مِثْلُ إنْ أَتْلَفَ مَالَ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِقَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ أَدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ.

[فَصْلٌ أَذِنَ وَلِي السَّفِيهِ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

(٣٤٩١) فَصْلٌ: إذَا أَذِنَ وَلِيُّ السَّفِيهِ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَهَلْ يَصِحُّ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٌ، فَمَلَكَهُ بِالْإِذْنِ، كَالنِّكَاحِ.

وَلِأَنَّهُ عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ بِالْإِذْنِ فِيهِ كَالصَّبِيِّ. يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الصَّبِيِّ أَعْلَى مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ثُمَّ، يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالْإِذْنِ، فَهَاهُنَا أُولَى. وَلِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَا تَصَرُّفَهُ بِالْإِذْنِ، لَمْ يَكُنْ لَنَا طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَة رُشْدِهِ وَاخْتِبَارِهِ. وَالثَّانِي، لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِتَبْذِيرِهِ وَسُوءِ تَصَرُّفِهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ، فَقَدْ أَذِنَ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةٍ. وَلِلشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ. وَاَللَّه أَعْلَمُ.

[كِتَاب الصُّلْح]

ِ الصُّلْحُ مُعَاقَدَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَيَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا؛ صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ، وَصُلْحٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ، وَصُلْحٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إذَا خِيفَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ جَائِزٌ، إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بَابٌ يُفْرَدُ لَهُ، يَذْكُرُ فِيهِ أَحْكَامُهُ. وَهَذَا الْبَابُ لِلصُّلْحِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ، وَهُوَ نَوْعَانِ؛ صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ، وَصُلْحٌ عَلَى إنْكَارٍ. وَلَمْ يُسَمِّ الْخِرَقِيِّ الصُّلْحَ إلَّا فِي الْإِنْكَارِ خَاصَّةً.

[مَسْأَلَةٌ الصُّلْح الْجَائِز]

[الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ]

(٣٤٩٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالصُّلْحُ الَّذِي يَجُوزُ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ لَا يَعْلَمُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى بَعْضِهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ، فَجَحَدَهُ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ صَحِيحٌ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَاوَضَ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، فَلَمْ تَصِحَّ الْمُعَاوَضَةُ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ، فَبَطَلَ، كَالصُّلْحِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ.

وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ جَائِزٌ» . فَيَدْخُلُ هَذَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>