نَحْكُمْ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ نَبِيِّنَا.
وَإِنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ. فَقَالَ الْقَاضِي: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِهَذَا، وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ لِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مَعْرُوفٍ وَهُوَ الشَّهَادَتَانِ، فَإِذَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا تَضَمَّنَ الشَّهَادَتَيْنِ، كَانَ مُخْبِرًا بِهِمَا. وَرَوَى الْمِقْدَادُ، أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ، فَقَاتَلَنِي، فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ. أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ: لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَهَا» .
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. قَالَ: «أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إنِّي مُسْلِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ كُنْتَ قُلْتَ وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَك، أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، أَوْ مَنْ جَحَدَ الْوَحْدَانِيَّةَ أَمَّا مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ أَوْ فَرِيضَةٍ وَنَحْوِهَا، فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كُلَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ كَافِرٌ.
[فَصْلٌ أَتَى الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ]
(٧١١٣) فَصْلٌ: وَإِذَا أَتَى الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ فَقَدْ صَارَ مُرْتَدًّا، وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، فَلَا يُرَاقُ دَمُهُ بِالشُّبْهَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، فَيُقْتَلُ إذَا رَجَعَ كَمَا لَوْ طَالَتْ مُدَّتُهُ.
[فَصْلٌ صَلَاة الْكَافِر]
(٧١١٤) فَصْلٌ: وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى رِيَاءً وَتَقِيَّةً. وَلَنَا أَنَّ مَا كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ إسْلَامًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ رُكْنٌ يَخْتَصُّ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ. وَاحْتِمَالُ التَّقِيَّةِ وَالرِّيَاءِ، يَبْطُلُ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا. وَأَمَّا سَائِرُ الْأَرْكَانِ، مِنْ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِهِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَنَعَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ.» وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ، وَهُمْ يَتَصَدَّقُونَ.
وَقَدْ فَرَضَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ مِنْ الزَّكَاةِ مِثْلَيْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَصِيرُوا بِذَلِكَ مُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلِكُلِّ أَهْلِ دِينٍ صِيَامٌ، وَلِأَنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ بِفِعْلٍ، إنَّمَا هُوَ إمْسَاكٌ عَنْ أَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَقَدْ يَتَّفِقُ هَذَا مِنْ الْكَافِرِ، كَاتِّفَاقِهِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَلَا عِبْرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute