وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِيمَا عَلِمْنَا إلَّا الْحَسَنَ وَمَالِكًا، فَإِنَّ الْحَسَنَ قَالَ: إنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ، مَضَى فِيهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا، تَوَضَّأَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ إنْ كَانَ يَلْحَقُهُ كَثِيرًا، فَهُوَ عَلَى وُضُوئِهِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَلْحَقُهُ كَثِيرًا، تَوَضَّأَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الشَّكِّ. وَلَنَا مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: «شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ، قَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، أَخَرَجَ مِنْهُ أَمْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»
؛ وَلِأَنَّهُ إذَا شَكَّ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ، فَيَجِبُ سُقُوطُهُمَا، كَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا، وَيَرْجِعُ إلَى التَّيَقُّنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُهُمَا، أَوْ يَتَسَاوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إذَا لَمْ تَكُنْ مَضْبُوطَةً بِضَابِطٍ شَرْعِيٍّ، لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا، كَمَا لَا يَلْتَفِتُ الْحَاكِمُ إلَى قَوْلِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ
[فَصْلٌ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ مَعًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْآخِرَ مِنْهُمَا]
(٢٧٦) فَصْلٌ: إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ مَعًا، وَلَمْ يَعْلَمْ الْآخِرَ مِنْهُمَا، مِثْلُ مَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مُتَطَهِّرًا مَرَّةً وَمُحْدِثًا أُخْرَى، وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا كَانَ بَعْدَ صَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى حَالِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ قَدْ انْتَقَلَ عَنْ هَذَا الْحَدَثِ إلَى الطَّهَارَةِ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَهَا، وَالْحَدَثُ الْمُتَيَقَّنُ بَعْدَ الزَّوَالِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا، فَوُجُودُهُ بَعْدَهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَزُولُ عَنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ بِشَكٍّ، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَفَّى زَيْدًا حَقَّهُ وَهُوَ مِائَةٌ، فَأَقَامَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ خَصْمِهِ لَهُ بِمِائَةٍ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بِهَا حَقٌّ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ.
[فَصْلٌ تَيَقَّنَ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ نَقَضَ طَهَارَتَهُ وَتَوَضَّأَ عَنْ حَدَثٍ وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا]
(٢٧٧) فَصْلٌ: وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ نَقَضَ طَهَارَتَهُ وَتَوَضَّأَ عَنْ حَدَثٍ، وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا، نَظَرَ؛ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ مُتَطَهِّرًا، فَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَقَضَ تِلْكَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَضَّأَ عَنْ حَدَثٍ مَعَ بَقَاءِ تِلْكَ الطَّهَارَةِ، وَنَقْضُ هَذِهِ الطَّهَارَةِ الثَّانِيَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يَزُولُ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ مُحْدِثًا، فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى الطَّهَارَةِ ثُمَّ نَقَضَهَا، وَالطَّهَارَةُ بَعْدَ نَقْضِهَا مَشْكُوكٌ فِيهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَهَذَا جَمِيعُ نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ وَلَا تَنْتَقِضُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ: فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، الْوُضُوءُ. وَقَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِهِمْ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ حُجَّةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute