عَبْدَهُ فِي غَدٍ، فَمَاتَ الْعَبْدُ الْيَوْمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْنَثَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْمُكْرَهَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِعَزْلِهِ. فَرَفَعَهُ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ، بَرَّ بِذَلِكَ.
[فَصْلِ اخْتَلَفَ السَّبَبُ وَالنِّيَّةُ فِي الْحَلِفِ]
(٨٠٧٤) فَصْلٌ: فَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ وَالنِّيَّةُ، مِثْلَ أَنْ امْتَنَّتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِغَزْلِهَا، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، يَنْوِي اجْتِنَابَ اللُّبْسِ خَاصَّةً، دُونَ الِانْتِفَاعِ بِثَمَنِهِ وَغَيْرِهِ، قُدِّمَتْ النِّيَّةُ عَلَى السَّبَبِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَافَقَتْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ. وَإِنْ نَوَى بِيَمِينِهِ ثَوْبًا وَاحِدًا، فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ، وَالسَّبَبُ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ الظَّاهِرَ وَيُقَوِّيهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الِامْتِنَانُ، وَظَاهِرُ حَالِهِ قَطْعُ النِّيَّةِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى نِيَّتِهِ الْمُخَالِفَةِ لِلظَّاهِرَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْقَصْدِ، فَإِذَا خَالَفَ حَقِيقَةَ الْقَصْدِ، لَمْ يُعْتَبَرْ، وَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا لَفْظُهُ بِعُمُومِهِ، وَالنِّيَّةُ تَخُصُّهُ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى.
[مَسْأَلَة حَلَفَ لَا يَسْكُنَ دَارًا هُوَ سَاكِنُهَا]
(٨٠٧٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنَ دَارًا هُوَ سَاكِنُهَا، خَرَجَ مِنْ وَقْتِهِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ وَقْتِهِ، حَنِثَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ إنَّ سَاكِنَ الدَّارِ إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا، فَمَتَى أَقَامَ فِيهَا بَعْدَ يَمِينِهِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْخُرُوجُ، حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ السُّكْنَى كَابْتِدَائِهَا، فِي وُقُوعِ اسْمِ السُّكْنَى عَلَيْهَا، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا. كَمَا يَقُولُ: لَبِسْت هَذَا الثَّوْبَ شَهْرًا؟ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَإِنْ أَقَامَ لِنَقْلِ رَحْلِهِ وَقُمَاشِهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يَنْقُلَ ذَلِكَ مَعَهُ، حَتَّى يَكُونَ مُنْتَقِلًا. وَيُحْكَى عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ إنْ أَقَامَ دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الِانْتِقَالِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ. وَعَنْ زُفَرَ، أَنَّهُ قَالَ: يَحْنَثُ وَإِنْ انْتَقَلَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَاكِنًا عَقِيبَ يَمِينِهِ وَلَوْ لَحْظَةً، فَيَحْنَثُ بِهَا.
وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لَا يُرَادُ بِالْيَمِينِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ زَمَنًا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السُّكْنَى، فَحَنِثَ بِهِ، كَمَوْضِعِ الِاتِّفَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ، فَدَخَلَ إلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا، حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا؟ (٨٠٧٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَامَ لِنَقْلِ مَتَاعِهِ وَأَهْلِهِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْنَثُ. وَلَنَا، أَنَّ الِانْتِقَالَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ هَذِهِ الْإِقَامَةِ، فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute