التَّطَوُّع وَالْإِحْرَامِ بِهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ. وَلِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ يُفَوِّتُ حَقَّ زَوْجِهَا، فَكَانَ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْهُ، كَالِاعْتِكَافِ.
فَإِنْ أُذْنَ لَهَا فِيهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ تَتَلَبَّسْ بِإِحْرَامِهِ، فَإِنْ تَلَبَّسَتْ بِالْإِحْرَامِ، أَوْ أَذِنَ لَهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، وَلَا تَحْلِيلُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، فَصَارَ كَالْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ. فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ إحْرَامِهَا، ثُمَّ أَحْرَمَتْ بِهِ، فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَأْذَنْ. وَإِذَا قُلْنَا: بِتَحْلِيلِهَا. فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُحْصَرِ، يَلْزَمُهَا الْهَدْيُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ صَامَتْ، ثُمَّ حَلَّتْ.
[فَصْلٌ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبِ فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ]
(٢٧٠٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبِ، فَحَلَفَ زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحِلَّ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُبَاحٌ، فَلَيْسَ لَهَا تَرْكُ فَرَائِضِ اللَّهِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: الطَّلَاقُ هَلَاكٌ، هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، أَنَّهُ أَفْتَى السَّائِلَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَطَاءٍ، فَرَوَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ذَهَبَ إلَى هَذَا لِأَنَّ ضَرَرَ الطَّلَاقِ عَظِيمٌ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا، وَمُفَارَقَةِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ عِنْدَهَا مِنْ ذَهَابِ مَالِهَا، وَهَلَاكِ سَائِرِ أَهْلِهَا، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ عَطَاءٌ هَلَاكًا.
وَلَوْ مَنَعَهَا عَدُوٌّ مِنْ الْحَجِّ إلَّا أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهَا، كَانَ ذَلِكَ حَصْرًا، فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصْلٌ لَيْسَ لِلْوَالِدِ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ الْحَجِّ الْوَاجِبِ]
(٢٧٠٧) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْوَالِدِ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ الْحَجِّ الْوَاجِبِ، وَلَا تَحْلِيلُهُ مِنْ إحْرَامِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ طَاعَتُهُ فِي تَرْكِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى التَّطَوُّعِ، فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الْغَزْوِ، وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، فَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى. فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِالدُّخُولِ فِيهِ، فَصَارَ كَالْوَاجِبِ ابْتِدَاءً، أَوْ كَالْمَنْذُورِ.
[مَسْأَلَةٌ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا فَعَطِبَ دُونَ مَحِلِّهِ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا، فَعَطِبَ دُونَ مَحِلِّهِ، صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ، وَعَلَيْهِ مَكَانَهُ) الْوَاجِبُ مِنْ الْهَدْيِ قِسْمَانِ؛ أَحَدُهُمَا، وَجَبَ بِالنَّذْرِ فِي ذِمَّتِهِ. وَالثَّانِي، وَجَبَ بِغَيْرِهِ، كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَالْقِرَانِ، وَالدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ. وَجَمِيعُ ذَلِكَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ يَسُوقَهُ يَنْوِي بِهِ الْوَاجِبَ الَّذِي عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِالْقَوْلِ، فَهَذَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِذَبْحِهِ، وَدَفْعِهِ إلَى أَهْلِهِ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ، وَهِبَةٍ، وَأَكْلٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ غَيْرِهِ بِهِ، وَلَهُ نَمَاؤُهُ، وَإِنْ عَطِبَ تَلِفَ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ تَعَيَّبَ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَبْحُهُ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا، فَإِنَّ وُجُوبَهُ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِإِيصَالِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحَمَلَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، يَقْصِدُ دَفْعَهُ إلَيْهِ فَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ يُوصِلَهُ إلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute