للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ طَلَبَهَا وَاسْتِيفَاءَهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أَدَاؤُهَا، وَلَا يَنْفِي وُجُوبَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ مَعْجُوزٌ عَنْهُ، وَالتَّكْلِيفُ يَسْتَدْعِي الْوُسْعَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ طَلَبَ الْمِثْلِ وَلَا اسْتِيفَاءَهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ أَدَاؤُهُ، فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَحَالَةِ الْمُحَاكَمَةِ.

وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ بَعْدَ فَقْدِهِ، فَإِنَّهُ يَعُودُ وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ، فَأَشْبَهَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ، وَلِهَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمُحَاكَمَةِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، لَاسْتَحَقَّ الْمَالِكُ طَلَبَهُ وَأَخْذَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ أَرْطَالًا مِنْ كَذَا وَكَذَا: أَعْطَاهُ عَلَى السِّعْرِ يَوْمَ أَخَذَهُ، لَا يَوْمَ يُحَاسِبُهُ.

وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ فِي حَوَائِجِ الْبَقَّالِ: عَلَيْهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْأَخْذِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْغَصْبِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَ هَذَا. وَيُمْكِنُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْغَصْبِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَنْ أَخَذَهُ هَاهُنَا بِإِذْنِ مَالِكِهِ، مَلَكَهُ وَحَلَّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، فَتَثْبُتُ قِيمَتُهُ يَوْمَ مَلَكَهُ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مَا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ بِتَغَيُّرِ قِيمَةِ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَالْمَغْصُوبُ مِلْكٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَالْوَاجِبُ رَدُّهُ لَا قِيمَتُهُ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ قِيمَتُهُ فِي الذِّمَّةِ يَوْمَ تَلَفِهِ، أَوْ انْقِطَاعِ مِثْلِهِ، فَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ، وَتَغَيَّرَتْ بِتَغَيُّرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ.

فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ بَاقِيًا، وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ، فَأَوْجَبْنَا رَدَّ قِيمَتِهِ، فَإِنَّهُ يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا، وَبَيْنَ الصَّبْرِ إلَى وَقْتِ إمْكَانِ الرَّدِّ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِالسَّعْيِ فِي رَدِّهِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْقِيمَةَ لِأَجْلِ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَيُعْتَبَرُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

[مَسْأَلَة كَانَتْ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ]

(٣٩٨٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ، فَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّهُ، وَأَجْرُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي يَدَيْهِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى حُكْمَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، وُجُوبُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ.

وَالثَّانِي، رَدُّ أُجْرَتِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مَتَى كَانَ بَاقِيًا، وَجَبَ رَدُّهُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ صَاحِبِهِ لَاعِبًا جَادًّا، وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. يَعْنِي أَنَّهُ يَقْصِدُ الْمَزْحَ مَعَ صَاحِبِهِ بِأَخْذِ مَتَاعِهِ، وَهُوَ جَادٌّ فِي إدْخَالِ الْغَمِّ وَالْغَيْظِ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ أَزَالَ يَدَ الْمَالِكِ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَزِمَهُ إعَادَتُهَا. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ إذَا كَانَ بَاقِيًا بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>