هُوَ عِيدٌ، وَيَوْمُ فَرَحٍ، وَفِيهِ جَبْرُ قَلْبِهِ وَتَطْيِيبُهُ، وَإِلْحَاقُهُ بِمَنْ لَهُ أَبٌ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الثِّيَابِ الْحَسَنَةِ وَشِرَاءِ اللَّحْمِ، سِيَّمَا مَعَ اسْتِحْبَابِ التَّوْسِعَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَجَرْيِ الْعَادَةِ بِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمُ وَمَتَى كَانَ خَلْطُ مَالِ الْيَتِيمِ أَرْفَقَ بِهِ، وَأَلْيَنَ فِي الْخُبْزِ، وَأَمْكَنَ فِي حُصُولِ الْأُدْمِ، فَهُوَ أَوْلَى.
وَإِنْ كَانَ إفْرَادُهُ أَرْفَقَ بِهِ أَفْرَدَهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: ٢٢٠] . أَيْ ضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وَشَدَّدَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَعْنَتَ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا ضَيَّقَ عَلَيْهِ وَشَدَّدَ. وَعَنَتَتْ الرَّجُلَ، إذَا ظَلَعَتْ، وَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ تَرْكُ الصَّبِيِّ فِي الْمَكْتَبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ. وَحُكِيَ لِأَحْمَدَ قَوْلُ سُفْيَانَ: لَا يُسَلِّمُ الْوَصِيُّ الصَّبِيَّ إلَّا بِإِذْنِ. الْحَاكِمِ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَكْتَبَ مِنْ مَصَالِحِهِ، فَجَرَى مَجْرَى نَفَقَتِهِ، وَلِمَأْكُولِهِ، وَمَشْرُوبِهِ، وَمَلْبُوسِهِ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ إسْلَامُهُ فِي صِنَاعَةٍ، إذَا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ مُوسِرًا فَلَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيم شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ أَبًا]
(٣١٤٢) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْوَلِيُّ مُوسِرًا، فَلَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ أَبًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: ٦] وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، فَلَهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ؛ مِنْ أُجْرَتِهِ، أَوْ قَدْرِ كِفَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ وَالْحَاجَةِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا مَا وُجِدَا فِيهِ. فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ، ثُمَّ أَيْسَرَ؛ فَإِنْ كَانَ أَبًا لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَبِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ عِوَضُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَلْزَمُهُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عِوَضٍ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ مَا أَمَرَ بِأَكْلِهِ، وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ مِنْ عَمَلِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهُ، كَالْأَجِيرِ وَالْمُضَارِبِ. وَالثَّانِيَةُ، يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ.
وَهُوَ قَوْلُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ لِأَنَّهُ اسْتَبَاحَهُ بِالْحَاجَةِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، فَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرِ، لَكَانَ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ الْيَسَارِ، فَإِنَّ الْيَسَارَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْوُجُوبِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِالسَّبَبِ، الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ، لَمْ يَجِبْ بَعْدَهُ. وَفَارَقَ الْمُضْطَرَّ؛ فَإِنَّ الْعِوَضَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ.
[فَصْلٌ قَرْضُ مَالِ الْيَتِيمِ]
(٣١٤٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا قَرْضُ مَالِ الْيَتِيمِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ لَهُ، لَمْ يَجُزْ قَرْضُهُ، فَمَتَى أَمْكَنَ الْوَلِيُّ التِّجَارَةَ بِهِ، أَوْ تَحْصِيلَ عَقَارٍ لَهُ فِيهِ الْحَظُّ، لَمْ يُقْرِضْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفَوِّتُ الْحَظَّ عَلَى الْيَتِيمِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute