أَتْلَفَ مِثْلَ دَيْنِهِ، فَيَثْبُت فِي ذِمَّتِهِ وَيَتَقَاصَّانِ. وَإِنْ تَلْفِتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، يَسْقُطُ حَقُّهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَالَهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ. وَعَلَى الثَّانِي، لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِحَقِّهِ، وَلَيْسَ لِلْمُحِيلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِفُ بِبَرَاءَتِهِ.
(٣٥٦٧) فَصْلٌ: وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمُحِيلَ قَالَ: أَحَلْتُك بِدَيْنِك. ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ أَحَدِهِمَا: هِيَ حَوَالَةٌ بِلَفْظِهَا. وَقَالَ الْآخَرُ: هِيَ وَكَالَةٌ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِدَيْنِهِ لَا تَحْتَمِلُ الْوَكَالَةَ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ مُدَّعِيهَا.
وَسَوَاءٌ اعْتَرَفَ الْمُحِيلُ بِدَيْنِ الْمُحْتَالِ، أَوْ قَالَ: لَا دَيْنَ لَك عَلَيَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَحَلْتُك بِدَيْنِك. اعْتِرَافٌ بِدَيْنِهِ، فَلَا يُقْبَلُ جَحْدُهُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ بِدَيْنِك، بَلْ قَالَ: أَحَلْتُك. ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيَّ دَيْنٌ، وَإِنَّمَا عَنَيْت التَّوْكِيلَ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ. أَوْ قَالَ: أَرَدْت أَنْ أَقُولَ، وَكَّلْتُك، فَسَبَقَ لِسَانِي فَقُلْت: أَحَلْتُك. وَادَّعَى الْمُحْتَالُ أَنَّهَا حَوَالَةٌ بِدَيْنِهِ، وَأَنَّ دَيْنَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى الْمُحِيلِ، فَهَلْ ذَلِكَ اعْتِرَافٌ بِالدَّيْنِ أَوْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا.
[فَصْلٌ لِرَجُلِ دَيْنٌ عَلَى آخَر فَطَالَبَهُ بِهِ فَقَالَ قَدْ أَحَلْت بِهِ عَلَيَّ فُلَانًا الْغَائِبَ]
(٣٥٦٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلِ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ، فَطَالَبَهُ بِهِ، فَقَالَ: قَدْ أَحَلْت بِهِ عَلَيَّ فُلَانًا الْغَائِبَ. وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ كَانَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ، سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ، لِإِسْقَاطِ حَقَّ الْمُحِيلِ عَلَيْهِ. وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ أَحَالَنِي عَلَيْك، فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً، ثَبَتَتْ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْغَائِبِ، وَلَزِمَ الدَّفْعُ إلَى الْمُحْتَالِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ اعْتَرَفَ لَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ الدُّفَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ دَفْعِهِ إلَيْهِ، فَلَزِمَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةً. وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ إنْكَارِ الْمُحِيلِ وَرُجُوعِهِ عَلَيْهِ، فَكَانَ لَهُ الِاحْتِيَاطُ لِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنِّي وَكَيْلُ فُلَانٍ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْك، فَصَدَّقَهُ، وَقَالَ: لَا أَدْفَعُهُ إلَيْك. فَإِذَا قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الدُّفَعُ مَعَ الْإِقْرَارِ. لَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ. فَإِذَا حَلَفَ، بَرِئَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَتِهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ قُلْنَا: لَا تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ. فَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْمُحِيلِ، فَإِنْ صَدَقَ الْمُدَّعِي فِي أَنَّهُ أَحَالَهُ، ثَبَتَتْ الْحَوَّالَةُ لَهُ؛ لِأَنَّ رِضَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ. وَإِنْ أَنْكَرَ الْحَوَالَةَ، حَلَفَ، وَسَقَطَ حُكْمُ الْحَوَالَةِ. وَإِنْ نَكَلَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ، فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَاسْتُوْفِيَ الْحَقُّ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّ الْمُحِيلَ صَدَّقَ الْمُدَّعِيَ، فَلَا كَلَامَ.
وَإِنْ أَنْكَرَ الْحَوَالَة، فَالْقَوْلُ قَوْله، وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرَفٌ لَهُ بِالْحَقِّ وَيَدَّعِي أَنَّ الْمُحْتَالَ ظَلَمَهُ، وَيَبْقَى دَيْنُ الْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ. وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute