رَسُولِهِ أَمْوَالَ هَوَازِنَ، طَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، فَقَالَ نَاسٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَمْنَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي أُعْطِي رِجَالًا حُدَثَاءَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الضَّرْبُ الثَّالِثُ، قَوْمٌ فِي طَرَفِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، إذَا أُعْطُوا دَفَعُوا عَمَّنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. الضَّرْبُ الرَّابِعُ: قَوْمٌ إذَا أُعْطُوا أَجَبُّوا الزَّكَاةَ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، فَيَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ.
[مَسْأَلَةٌ ثُبُوتِ سَهْمِ الرِّقَابِ]
(٥١٠٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَفِي الرِّقَابِ، وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي ثُبُوتِ سَهْمِ الرِّقَابِ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ الرِّقَابِ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ.
وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَخَالَفَهُمْ مَالِكٌ، فَقَالَ: إنَّمَا يُصْرَفُ سَهْمُ الرِّقَابِ فِي إعْتَاقِ الْعَبِيدِ، وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَانَ مِنْهَا مُكَاتَبٌ. وَخَالَفَ أَيْضًا ظَاهِرَ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِنْ الرِّقَابِ، لِأَنَّهُ عَبْدٌ، وَاللَّفْظُ عَامٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُدْفَعُ إلَى الْمُكَاتَبِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِوَفَاءِ كِتَابَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، جَازَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ جَمِيعُهَا. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ، تَمَّمَ لَهُ مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِذَلِكَ. وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ مَعَهُ وَفَاءُ كِتَابَتِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ فِي وَفَاءِ الْكِتَابَةِ. قِيلَ: وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَقْرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ؛ لِئَلَّا يَحِلَّ النَّجْمُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، فَتَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ.
وَلَا يُدْفَعُ إلَى مُكَاتَبٍ كَافِرٍ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ إنَّهُ مُكَاتَبٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، فَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِانْتِقَالِ حَقِّهِ عَنْهُ قُبِلَ. وَالثَّانِي، لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي أَنَّهُ يُوَاطِئُهُ لِيَأْخُذَ بِهِ الْمَالَ.
[فَصْلٌ لِلسَّيِّدِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مَكَاتِبه]
(٥١٠٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَعَهُ فِي بَابِ الْمُعَامَلَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ.
حَتَّى يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا الرِّبَا، فَصَارَ كَالْغَرِيمِ يَدْفَعُ زَكَاتَهُ إلَى غَرِيمِهِ. وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ رَدُّهَا إلَى سَيِّدِهِ بِحُكْمِ الْوَفَاءِ؛ لِأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِيفَاءِ، أَشْبَهَ إيفَاءَ الْغَرِيمِ دَيْنَهُ بِهَا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ وَفَاءً عَنْ الْكِتَابَةِ. وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَعْجَلُ لِعِتْقِهِ، وَأَوْصَلُ إلَى الْمَقْصُودِ الَّذِي كَانَ الدَّفْعُ مِنْ أَجْلِهِ، فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَهُ الْمُكَاتَبُ قَدْ يَدْفَعُهُ وَقَدْ لَا يَدْفَعُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute