(٢٦٧١) فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: فِي كَبِيرِ الصَّيْدِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ، وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ، وَفِي الْأُنْثَى أُنْثَى، وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ، وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الصَّغِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الْمَعِيبِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] . وَلَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ صَغِيرٌ وَلَا مَعِيبٌ، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَتْلِ حَيَوَانٍ، فَلَمْ تَخْتَلِفْ بِصَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ، كَقَتْلِ الْآدَمِيِّ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] . وَمِثْلُ الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ اخْتَلَفَ ضَمَانُهُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، كَالْبَهِيمَةِ، وَالْهَدْيُ فِي الْآيَةِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْمِثْلِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى الضَّمَانِ بِمَا لَا يَصِحُّ هَدْيًا، كَالْجَفْرَةِ وَالْعَنَاقِ وَالْجَدْيِ. وَكَفَّارَةُ الْآدَمِيِّ لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْهُ، وَلَا تَجْرِي مَجْرَى الضَّمَانِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ فِي أَبْعَاضِهِ، فَإِنْ فَدَى الْمَعِيبَ بِصَحِيحٍ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ فَدَاهُ بِمَعِيبٍ مِثْلِهِ جَازَ.
وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَيْبُ، مِثْلُ أَنْ فَدَى الْأَعْرَجَ بِأَعْوَرَ، أَوْ الْأَعْوَرَ بِأَعْرَجَ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ. وَإِنْ فَدَى أَعْوَرَ مِنْ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ بِأَعْوَرَ مِنْ أُخْرَى، أَوْ أَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ بِأَعْرَجَ مِنْ أُخْرَى جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ يَسِيرٌ، وَنَوْعُ الْعَيْبِ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ مَحَلُّهُ. وَإِنْ فَدَى الذَّكَرَ بِأُنْثَى، جَازَ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَأَرْطَبُ. وَإِنْ فَدَاهَا بِذَكَرٍ، جَازَ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ فَتَسَاوَيَا. وَالْآخَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ هِيَ مِنْ جِنْسِ زِيَادَتِهَا، فَأَشْبَهَ فِدَاءَ الْمَعِيبِ مِنْ نَوْعٍ بِمَعِيبٍ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ.
[فَصْل قَتَلَ مَاخِضًا فِي الْحَرَم]
(٢٦٧٢) فَصْلٌ: فَإِنْ قَتَلَ مَاخِضًا، فَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُهَا بِقِيمَةِ مِثْلِهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ لَحْمِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَضْمَنُهَا بِمَاخِضٍ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] . وَإِيجَابُ الْقِيمَةِ عُدُولٌ عَنْ الْمِثْلِ مَعَ إمْكَانِهِ، فَإِنْ فَدَاهَا بِغَيْرِ مَاخِضٍ، احْتَمَلَ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَا تَزِيدُ فِي لَحْمِهَا، بَلْ رُبَّمَا نَقَصَتْهَا، فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا فِي الْمِثْلِ، كَاللَّوْنِ وَالْعَيْبِ.
وَإِنْ جَنَى عَلَى مَاخِضٍ، فَأَتْلَفَ جَنِينَهَا، وَخَرَجَ مَيِّتًا، فَفِيهِ مَا نَقَصَتْ أُمُّهُ، كَمَا لَوْ جَرَحَهَا، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ مَاتَ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ لِوَقْتٍ لَا يَعِيشُ لِمِثْلِهِ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ، كَجَنِينِ الْآدَمِيَّةِ.
[فَصْل أَتْلَفَ الْمُحْرِم جُزْءًا مِنْ الصَّيْدِ]
(٢٦٧٣) فَصْلٌ: وَإِنْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ الصَّيْدِ، وَجَبَ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ، فَكَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا كَالْآدَمِيِّ، وَالْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» . فَالْجَرْحُ أَوْلَى بِالنَّهْيِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ. وَمَا كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ الصَّيْدِ وَجَبَ ضَمَانُهُ كَنَفْسِهِ، وَيُضْمَن بِمِثْلِهِ مِنْ مِثْلِهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ ضَمَانُ جُمْلَتِهِ بِالْمِثْلِ، وَجَبَ فِي بَعْضِهِ مِثْلُهُ، كَالْمَكِيلَاتِ. وَالْآخَرُ يَجِبُ قِيمَةُ مِقْدَارِهِ مِنْ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute